الإسراء والمعراج الجزء الخامس الأخير

إسم الكاتب : أبو الحسن علي الرملي


  • من صحيح السيرة النبوية:

    39- الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم عروجه من هناك إلى السماوات (الجزء الخامس (الأخير))

    صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء، وسؤال قريش عن الإسراء.

    أخرج مسلم في صحيحه (172) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتني في الحِجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أُثبتْها(1)، فكُرِبت(2) كُرْبة ما كُرِبت مثله قط»، قال: " فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به(3)، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم(4)، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام ".

    وفي صحيح البخاري (3886)، ومسلم (170): عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لما كذبتني قريش، قمت في الحِجر، فجَلاَ الله لي بيت المقدس (5)، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه(6)».

    وفي مسند أحمد (2819): عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما كان ليلة أسري بي، وأصبحت بمكة، فظعت بأمري (7)، وعرفت أن الناس مكذبي» فقعد معتزلاً حزيناً، قال: فمر به عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» قال: ما هو؟ قال: «إنه أسري بي الليلة» قال: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس؟» قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا (8)؟! قال: «نعم» قال: فلم يُرِ أنه يُكَّذبه، مخافة أن يجحده الحديث (9) إن دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم». فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي حتى قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ " قال: «نعم» قال: فمن بين مُصفِّق، ومن بين واضع يده على رأسه، متعجباً للكذب زعم، قالوا: وهل تستطيع أن تَنعِت لنا المسجد (10)؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فذهبت أنعِت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت»، قال: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل فنعته، وأنا أنظر إليه»، قال: «وكان مع هذا نعت لم أحفظه» قال: " فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب ". انتهى

    ــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها.
    (2) قال الجوهري: الكُربة بالضم: الغم الذي يأخذ بالنفس، وكذلك الكرب، وكربه الغم: إذا اشتد عليه.

    (3) سيأتي بيانها في الروايات الأخرى.
    (4) قال ابن كثير في تفسيره (5/ 43): ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ. ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء. والذي تظاهرت به الروايات أنه بيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع هو وإخوانه من النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى

    وقال أهل العلم: فإن قيل كيف رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت المقدس، ووجدهم على مراتبهم في السماوات وسلموا عليه ورحبوا به؟

    فالجواب: أنه يحتمل أن تكون رؤيته موسى في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وفي طريقه إلى بيت المقدس، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم، ثم سألوه ورحبوا به، أو يكون اجتماعه بهم وصلاته ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى. والله أعلم
    (5) فكشف له بيت المقدس وأظهره له.
    (6) فجعل يخبرهم بصفاته وأحواله وهو ينظر إليه.
    (7) أي اشتد علي وهِبْته.
    (8) يعني ذهبتَ ورجعتَ كل هذه المسافة، وصرت بيننا في هذه المدة القصيرة، سأله متعجباً من هذا.

    (9) لم يظهر له أنه يُكذِّبه فيما قال، خشية ألا يقر بما قال إذا أخبر الناس به.

    (10) أي هل تستطيع أن تصف لنا بيت المقدس.


    كتبه أبو الحسن علي الرملي
    5/ 8/ 1440

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم