• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: وقت صلاة الظهر
  • رقم الفتوى: 1818
  • تاريخ الإضافة: 25 شعبان 1440
  • السؤال
    ما هو أول وقت الظهر وآخر وقته ؟
  • الاجابة

     أول وقت الظهر الزوال، قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر زوال الشمس» ([1]). انتهى

    وجاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها: حديث عبد الله بن عمرو ([2])، قال: قال رسول الله ﷺ: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله...».

    و(الزوال): ميل الشمس عن كبد السماء - أي وسطها - إلى جهة الغرب.

    وسمي زوالاً؛ لأنهم كانوا يقدّرون أن الشمس تستقر في كبد السماء ثم تزول - أي تنحط عن كبد السماء إلى جانب المغرب - وذلك لما يحصلُ من بطء حركتها هناك، واستقرارها المظنون في كبد السماء يسمى استواءً ، وعلامة الزوال: زيادة الظل بعد تناهي نقصانه ، وذلك لأن ظل الشخص يكون في أول النهار طويلاً ممتداً، فكلّما ارتفعت الشمس نقص، فإذا انتصف النهار وقف الظل، فإذا زالت الشمس عاد الظل إلى الزيادة ،هذا هو أول وقت الظهر، وأما آخره، فقد بيّنته السنة، وهو مصير ظل الشيء مثله - سوى فيء الزوال، وفيء الزوال: هو الظل الذي يكون موجوداً عند الزوال، والله أعلم . 

    قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 19):  إذا أراد الرجل معرفة الزوال في كل وقت وكل بلد، فلينصب عوداً مستوياً في مستوى من الأرض قبل الزوال للشمس، فإن الظل يتقلص إلى العود، فيتفقد نقصانه، فإن نقصانه إذا تناهى زاد، فإذا زاد بعد تناهي نقصانه فذلك الزوال، وهو أول وقت الظهر، وهذا المعنى محفوظ عن ابن المبارك، ويحيى بن آدم ، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أهل العلم. انتهى

    وقال الجيلاني - كما في «عون المعبود» (3/ 300) -: «فإذا أردت أن تعرف ذلك، فقس الظل بأن تنصب عموداً أو تُقَوِّم قائماً في موضع الأرض مستوياً معتدلاً، ثم علّم على منتهى الظل، بأن تخط خطّاً، ثم انظر أينقص أم يزيد، فإن رأيته ينقص، علمت أن الشمس لم تَزُل بعد، وإن رأيته قائماً لا يزيد ولا ينقص، فذلك قيامها - أي استواؤها - وهو نصف النهار، لا تجوز الصلاة حينئذ، فإذا أخذ الظل في الزيادة فذلك زوال الشمس، فقس من حد الزيادة إلى ظل ذلك الشيء الذي قست به طول الظل، فإذا بلغ إلى آخر طوله فهو وقت آخر الظهر». انتهى

    والدليل على أن آخر وقت الظهر مصير ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال، حديث جبريل، وفيه أنه صلى لما كان فيء الرجل مثله (3).

    قال ابن قدامة في المغني (1/ 271): مسألة: قال: (فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها) يعني أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص، فذلك آخر وقت الظهر. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: وأي شيء آخر وقت الظهر؟ قال: أن يصير الظل مثله. قيل له: فمتى يكون الظل مثله؟ قال: إذا زالت الشمس، فكان الظل بعد الزوال مثله، فهو ذاك. ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس، ثم ينظر الزيادة عليه، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص، فقد انتهى وقت الظهر؛ ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه، أو يزيد قليلا، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل، فهو آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر.
    وبهذا قال مالك، والثوري، والشافعي، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وداود. وقال عطاء: لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة. وقال طاوس: وقت الظهر والعصر إلى الليل. وحكي عن مالك: وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر في الحضر.
    وقال أبو حنيفة: وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله(4)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضب اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا؟ قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء» أخرجه البخاري وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب.
    ولنا «أن جبريل - عليه السلام - صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، ثم قال: الوقت ما بين هذين» وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض، وما احتج به أبو حنيفة لا حجة له فيه؛ لأنه قال: إلى صلاة العصر. وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط، على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت، وخبرهم قصد به ضرب المثل، فالأخذ بأحاديثنا أولى. قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس، وخالفه أصحابه. انتهى

     


    ([1]) « الأوسط » (2/ 326)، و« الإجماع » (ص38).

    ([2]) أخرجه مسلم (612). 

    ([3]) أخرجه النسائي (526) عن جابر - رضي الله عنه -.

    ([4]) كذا في المطبوع، ولعل الصواب: (مثليه)، فهو الذي يقتضيه الاستدلال بالحديث المذكور، قال السرخسي الحنفي في المبسوط بعد أن ذكر الحديث والخلاف على أبي حنيفة(1/ 143) قال: فدل أن وقت العصر أقل من وقت الظهر، وإنما يكون ذلك إذا امتد وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين. انتهى وهو الذي نقله العلماء عن أبي حنيفة، قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 18): وفيه قول ثالث، وهو أن آخر وقت الظهر ما لم يصر الظل قامتين، فإذا صار الظل قامتين، فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر. هذا قول النعمان. انتهى. وقال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 100): وقال أبو حنيفة: آخر الوقت أن يكون ظل كل شيء مثليه في إحدى الروايتين عنه، وهو عنده أول وقت العصر. انتهى.

     وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع (1/ 122): وأما آخره فلم يذكر في ظاهر الرواية نصاً، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، روى محمد عنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال. والمذكور في الأصل: ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين، ولم يتعرض لآخر وقت الظهر، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن آخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن والشافعي، وروى أسد بن عمرو، وعنه: إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه، فعلى هذه الرواية يكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل كما بين الفجر والظهر، والصحيح رواية محمد عنه. والله أعلم

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم