• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: سقوط الصلاة عن العاجز بالكلية
  • رقم الفتوى: 3336
  • تاريخ الإضافة: 12 ربيع الأول 1441
  • السؤال
    متى تسقط الصلاة عن البالغ العاقل ؟ مع ذكر أقوال العلماء في المسألة، وخاصة الأئمة الأربعة، وما الراجح عند ابن تيمية وابن عثيمين؟
  • الاجابة

    الواجب على المسلم المكلف أن يصلي الصلوات الخمس في وقتها ولا يضيع منها شيئاً، وإذا عجز عن فعل شيء من صلاته كالقيام أو الركوع أو السجود تركه وفعل ما يقدر عليه، ولا يترك الصلاة، حتى يعجز عن الإيماء بالرأس، أي خفض رأسه للركوع والسجود، ويكون خفضه للسجود أكثر من خفضه للركوع؛ فإذا لم يستطع الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة؛ لقول الله تبارك وتعالى {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقوله: {لا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها}، ولحديث عمران بن حصين(1)، وصلاة بلا أفعال ليست بصلاة.

    وأما الإيماء بالطرف -العين- أو الحاجب أو القلب، أو الأصبع، فلا أصل لها صحيح في الشرع، لم تشرع بدلاً، وليست من عمل الصلاة كالإيماء بالرأس.

    يعنون بالإيماء بالطرف خفض جفن العين، وكذلك في الحاجبين لمن قال به.

    وأما أقوال العلماء فقال بعضهم بما قلناه: آخر ما يقدر عليه المصلي الإيماء برأسه، فإذا لم يقدر عليه سقطت عنه الصلاة، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وقول لمالك، وترجيح ابن تيمية والسعدي وغيرهما، وعزاه الحافظ للحنفية والمالكية وبعض الشافعية. 

    والقول الثاني لا تسقط عنه ما دام يعقل وقادر على استحضار الصلاة بقلبه، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وقول منسوب لمالك. وهو الذي رجحه ابن عثيمين رحم الله الجميع. والله أعلم هذه الخلاصة وللعلماء تفصيلات كثيرة في المسألة.

    قال ابن تيمية: وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها: كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك؛ سقط عنه ما عجز عنه، وإنما يجب عليه ما إذا أراد فعله إرادة جازمة أمكنه فعله...انتهى مجموع الفتاوى (8/ 438) و (21 / 428).

    وقال (23/ 72): والسجود لا يسقط لا عن قائم ولا قاعد، والمريض إذا عجز عن إيمائه أتى منه بقدر الممكن، وهو الإيماء برأسه، وهو سجود مثله، ولو عجز عن الإيماء برأسه ففيه قولان، هما روايتان عن أحمد.

    أحدهما: أنه يومئ بطرفه، فجعلوا إيماءه بطرفه هو ركوعه وسجوده فلم يسقطوه.

    والثاني: أنه تسقط الصلاة في هذه الحال، ولا تصح على هذا الوجه، وهو قول أبي حنيفة، وهذا القول أصح في الدليل؛ لأن الإيماء بالعين ليس من أعمال الصلاة ولا يتميز فيه الركوع عن السجود، ولا القيام عن القعود بل هو من نوع العبث الذي لم يشرعه الله تعالى.

    وأما الإيماء بالرأس: فهو خفضه، وهذا بعض ما أمر به المصلي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: {إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم} وهو لا يستطيع من السجود إلا هذا الإيماء، وأما تحريك العين فليس من السجود في شيء.

    وعلى القولين فقد اتفقوا على أنه لا بد في الصلاة من السجود وهذا يقول الإيماء بطرفه هو سجود، وهذا يقول ليس بسجود فلا يصلي. فلو كانت الصلاة تصح مع القدرة بلا سجود لأمكن أن يكبر ويقرأ ويتشهد ويسلم فيأتي بالأقوال دون الأفعال، وما علمت أحداً قال إن الصلاة تصح بمجرد الأقوال، بل لا بد من السجود، وأما القيام والقراءة فيسقطان بالعجز باتفاق الأئمة فعلم أن السجود هو أعظم أركان الصلاة القولية والفعلية. انتهى

    وقال ابن هبيرة في اختلاف الأئمة العلماء (1/ 79): وأجمعوا -أي الأئمة الأربعة- على أنه لا يسقط فرضها في حق من جرى عليه التكليف، من الرجال العقلاء البالغين، وخطابهم؛ إلى معاينة الموت وأمور الآخرة، وكذلك النساء سواء -بمعنى سوى- ما اختصصن به من الحدثين المذكورين؛ إلا أن أبا حنيفة قال: إذا عجز عن الإيماء برأسه، سقط الفرض عنه. انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 109): فصل: وإن لم يقدر على الإيماء برأسه، أومأ بطرفه، ونوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً.

    وحكي عن أبي حنيفة أن الصلاة تسقط عنه. وذكر القاضي أن هذا ظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن يزيد؛ لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قيل له في مرضه: الصلاة. فقال: قد كفاني، إنما العمل في الصحة. ولأن الصلاة أفعال عجز عنها بالكلية، فسقطت عنه؛ لقول الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] .

    ولنا ما ذكرناه من حديث عمران، وأنه مسلم بالغ عاقل، فلزمته الصلاة، كالقادر على الإيماء برأسه، ولأنه قادر على الإيماء، أشبه الأصل. انتهى

    وقال النووي في المجموع (4/ 317):فإن عجز عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه، وهذا كله واجب، فإن عجز عن الإيماء بالطرف أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فإن اعتقل لسانه وجب أن يجري القرآن والأذكار الواجبة على قلبه، كما يجب أن يجري الأفعال.

    قال أصحابنا: وما دام عاقلاً لا يسقط عنه فرض الصلاة، ولو انتهى ما انتهى.

    ولنا وجه حكاه صاحبا العدة والبيان وغيرهما أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهذا شاذ مردود، ومخالف لما عليه الأصحاب.

    وأما حكاية صاحب الوسيط عن أبي حنيفة أنه قال تسقط الصلاة إذا عجز عن القعود؛ فمنكرة مردودة، والمعروف عنه أنه إنما يسقطها إذا عجز عن الإيماء بالرأس، وحكى أصحابنا هذا عن مالك أيضاً، وعن أبي حنيفة رواية أنه لا يصلي في الحال، فإن برئ لزمه القضاء. والمعروف عن مالك وأحمد كمذهبنا. انتهى

    وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 588): واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى؛ كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب؛ لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية.

    وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور، وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل، فحيث كان حاضر العقل لا يسقط عنه التكليف بها، فيأتي بما يستطيعه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، هكذا استدل به الغزالي، وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام، وكذا ما بعده.. إلى آخر ما ذكر. وأجاب عنه ابن الصلاح بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعه من القيام مثلاً، ولكنا نقول يكون آتياً بما استطاعه من الصلاة؛ لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتياً بما استطاع من الصلاة. وتعقب بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع. انتهى  

    وأما ابن عثيمين رحمه الله فقال في الشرح الممتع (4/ 331): وقال بعض العلماء: إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة.

     فهنا ثلاثة أقوال:

    القول الأول: إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعينه.

    القول الثاني: تسقط عنه الأفعال، من دون الأقوال.

    القول الثالث: تسقط عنه الأقوال والأفعال، يعني: لا تجب عليه الصلاة أصلاً، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط؛ لأنها هي التي كان عاجزاً عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه، لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] فنقول: كبر، واقرأ، وانو الركوع، فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود؛ لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].

    فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولاً ولا يتكلم، فماذا يصنع؟ الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود. هذا هو الراجح.

    لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سبباً لنسيانه الله؛ لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لا بد أن يقوم بها ولو بنية خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه.

    والمذهب في هذه المسألة أصح من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قالوا: لا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتاً، فما دام العقل ثابتاً فيجب عليه من الصلاة ما يقدر عليه منها.

    تنبيه: بعض العامة يقولون: إذا عجز عن الإيماء بالرأس أومأ بالإصبع، فينصب الأصبع حال القيام ويحنيه قليلاً حال الركوع ويضمه حال السجود؛ لأنه لما عجز بالكل لزمه بالبعض، والإصبع بعض من الإنسان، فإذا عجز جسمه كله فليكن المصلي الإصبع، والسبابة أولى؛ لأنها التي يشار بها إلى ذكر الله ودعائه، فلو أومأ بالوسطى فقياس قاعدتهم أن الصلاة لا تصح؛ لأن السبابة هي المكلفة بأن تصلي، وهذا لا أصل له، ولم تأت به السنة، ولم يقله أهل العلم، ولكن ـ سبحان الله ـ مع كونه لم يقله أحد من أهل العلم فيما نعلم فمشهور عند العامة، فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة بأن هذا لا أصل له، فالعين وهي محل خلاف بين العلماء سبق لنا أن الصحيح أنه لا يصلي بها فكيف بالإصبع الذي لم ترد به السنة لا في حديث ضعيف ولا صحيح؟ ولم يقل به أحد من أهل العلم فيما نعلم. انتهى

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أخرجه البخاري (1117) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم