• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم صلاة الجماعة
  • رقم الفتوى: 3513
  • تاريخ الإضافة: 12 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    ما حكم صلاة الجماعة في المسجد؟
  • الاجابة

    الصحيح أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال الذين لا عذر لهم؛ لحديث أبي هريرة؛ قال: أتى رجل أعمى، فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى، دعاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب»([1]) .

    وحديث أبي هريرة في «الصحيحين» أن النبي ﷺ همّ أن يحرّق بيوت الذين لا يحضرون صلاة الجماعة، وجاء في رواية في «الصحيحين»: «صلاة العشاء»([2]).

    وقد أمر الله بالجماعة في حال الخوف، ففي حال الأمن من باب أولى.

    وأبو هريرة عندما رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان، قال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم([3]) .

    وساق ابن المنذر في «الأوسط» عن جمع من الصحابة قولهم بوجوب صلاة الجماعة، بل قال عبد الله بن مسعود كما في « صحيح مسلم»: « لقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق»([4]) ، وهذا القول هو المعروف المشهور عن الصحابة وفقهاء الحديث رضي الله عنهم، بخلاف المتأخرين من أصحاب المذاهب الذين انتشر بينهم القول بالاستحباب، وقال به أكثرهم. وقد حقق القول في هذه المسألة ابن المنذر في كتابه «الأوسط» (4/ 146). والله أعلم. هذه خلاصة الفتوى.

    قال رحمه الله: "ذكر إيجاب حضور الجماعة على العميان، وإن بعدت منازلهم عن المسجد، ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لا ندب" فروى الأحدايث المتقدمة بأسانيده، وروى عن ابن عمر بإسناد صحيح قال: «كنا من فقدناه في صلاة العشاء، والفجر أسأنا به الظن».

    ثم قال: "فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له، فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم، وهو ضرير: «لا أجد لك رخصة»، فإذا كان الأعمى كذلك، لا رخصة له، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة، وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب، وعما ليس بفرض، ويؤيد ما قلنا حديث أبي هريرة.."، فذكر بإسناده عن أبي الشعثاء المحاربي: أنه كان مع أبي هريرة، فخرج رجل من المسجد بعدما أذن المؤذن، فقال أبو هريرة: أما هذا، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . ولو كان المرء مخيراً في ترك الجماعة، أو إتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره، ولما أمر الله عز وجل بالجماعة في حال الخوف، دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب، قال الله جل ذكره: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: 102]، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل بين على أن ذلك في حال الأمن أوجب، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب العذر تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له، إذ لو كان حال العذر، وغير حال العذر سواء، لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى، ودل على تأكيد أمر الجماعة قوله: «من سمع النداء، فلم يجبه، فلا صلاة له»"، وروى بإسناده "عن ابن عباس يرفعه قال: «من سمع النداء، فلم يأته، فلا صلاة له إلا من عذر»، قال أبو بكر: وقد روى هذا الحديث وكيع، وعبد الرحمن بن زياد، عن شعبة موقوفاً على ابن عباس غير مرفوع، وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن بعدهم من التابعين تدل على تأكيد أمر الجماعة، وذم من تخلف عنها.
    روينا عن ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري أنهما قالا: من سمع النداء، ثم لم يجب من غير عذر، فلا صلاة له، وروي عن علي أنه قال: من سمع النداء، فلم يأته لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر، وروي عنه أنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وروي عن عائشة أنها قالت: من سمع النداء، فلم يجب لم يرد خيرا، ولم يرد به، وعن أبي هريرة، أنه قال: لأن تمتلئ أذنا ابن آدم رصاصاً عذاباً خير له من أن يسمع المنادي، ثم لا يجيبه، وروي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل لا يشهد جمعة، ولا جماعة، فقال ابن عباس: هو في النار". فذكر هذه الآثار بأسانيده، ثم قال: "وكان عطاء يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر، والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة، وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في ترك الجمعة، والجماعات، سمع النداء، أو لم يسمع، وقال أحمد فيمن علم يتخلف عن الجماعة: إن هذا الرجل، أي: رجل سوء، وكان أبو ثور يقول: الصلاة في الجماعة واجبة، لا يسع أحداً تركها إلا من عذر يعذر به.
    وقال الشافعي: ذكر الله الأذان بالصلاة، فقال: {وإذا ناديتم إلى الصلاة} [المائدة: 58]، وقال: و {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للصلوات المكتوبات، فأشبه ما وصفت أن لا يحل ترك أن يصلي كل مكتوبة في جماعة، حتى لا يخلى جماعة مقيمون، ولا مسافرون من أن يصلي فيهم صلاة جماعة، فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر، وإن تخلف أحد، فصلاها منفردا لم يكن عليه إعادتها صلاها قبل صلاة الإمام، أو بعدها، إلا صلاة الجمعة، فإن على من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام إعادتها؛ لأن إتيانها فرض، والله أعلم.
    قال أبو بكر: وفي ذم أهل العلم، وغيرهم المتخلف عن حضور الجماعات مع المسلمين مع قول ابن عمر: كنا من فقدناه في صلاة العشاء، والفجر أسأنا به الظن، وقول عبد الله بن مسعود: ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه، بيان ما قلناه، ولو كان حضور الجماعات ندباً ما لحق المتخلف عنها ذم. انتهى 

    وقال ابن رجب في فتح الباري (5/ 450): وممن ذهب الى أن الجماعة للصلاة مع عدم العذر واجبة: الأوزاعي والثوري والفضيل بن عياض وإسحاق وداود، وعامة فقهاء الحديث، منهم: ابن خزيمة وابن المنذر.
    وأكثرهم على أنه لو ترك الجماعة لغير عذر وصلى منفرداً أنه لا يجب عليه الإعادة، ونص عليه الإمام أحمد.
    وحكي عن داود أنه يجب عليه الإعادة، ووافقه طائفة من أصحابنا، منهم: أبو الحسن التميمي، وابن عقيل وغيرهما.
    وقال حرب الكرماني سئل إسحاق عن قوله: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؟ فقال: الصحيح أنه لا فضل ولا أجر ولا أمن عليه.
    يعني: أنه لا صلاة له.
    وقد ذكرنا حديث ابن أم مكتوم في استئذانه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا أجد لك رخصة" فيما سبق.
    وهذا مما يستدل به على وجوب حضور الجماعة.
    وقد روي عن حذيفة وزيد بن ثابت ما يدل على الرخصة في الصلاة منفرداً مع القدرة على الجماعة(5).
    وحكي عن أبي حنيفة ومالك(5) أن حضور الجماعة سنة مؤكدة، لا يأثم بتركها.
    ولأصحاب الشافعي وجهان، أحدهما كذلك، ومنهم من حكى عنه رواية كقول مالك وأبي حنيفة، وفي صحتها عنه نظر. والله أعلم.
    ولهذا أنكر بعض محققي أصحابنا أن يكون عن أحمد رواية بأن حضور المساجد للجماعة سنة، وأنه يجوز لكل أحد أن يتخلف عن المسجد ويصلي في بيته؛ لما في ذلك من تعطيل المساجد عن الجماعات، وهي من أعظم شعائر الإسلام.
    ويلزم من هذا؛ أن لا يصح عن أحمد رواية بأن الجماعة للصلاة من أصلها سنة غير واجبة بطريق الأولى، فإنه يلزم من القول بوجوب حضور المسجد لإقامة الجماعة القول بوجوب أصل الجماعة، من غير عكس. والله أعلم.
    وحكى ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات، وبذلك رجح قول من قال: إن الجماعة فرض كفاية. انتهى 

    وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 225 و239).


    ([1]) أخرجه مسلم (653).

    ([2]) أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ المُؤَذِّنَ، فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ». وفي رواية عندهما: البخاري (7224): "فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ".

    ([3]) أخرجه مسلم (655) عن أبي الشعثاء .

    ([4]) أخرجه مسلم 654) عن أبي الأحوص .

    ([5]) يُنظر في صحة هذا عنهم. والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم