إسم الكاتب : أبو الحسن علي الرملي
من صحيح السيرة النبوية:
45- قال ابن كثيرة في السيرة النبوية: فصل في ذهابه عليه السلام إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله تعالى، وإلى نصرة دينه، فردوا عليه ذلك ولم يقبلوا، فرجع عنهم إلى مكة.
قال ابن إسحاق: فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف(1) يلتمس من ثقيف(2) النصرة والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى...
((وقد قال لهم، فيما ذُكر لي، إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي.
وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه.
فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه.
فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف.
وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر لي، المرأة التي من بني جمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك! فلما اطمأن قال فيما ذكر: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك ".
قال: فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقى تحركت له رحمهما، فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس، وقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه.
ففعل عداس، ثم ذهب به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له كل.
فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: " بسم الله " ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس وما دينك؟ قال: نصراني وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذلك أخي كان نبياً وأنا نبي.
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه.
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك.
فلما جاء عداس قالا له: ويلك يا عداس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي.
قالا له: ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
وقد ذكر موسى بن عقبة نحواً من هذا السياق، إلا أنه لم يذكر الدعاء وزاد: وقعد له أهل الطائف صفين على طريقه، فلما مر جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء، فعمد إلى ظل نخلة وهو مكروب، وفي ذلك الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فكره مكانهما لعداوتهما الله ورسوله.
ثم ذكر قصة عداس النصراني، كنحو ما تقدم))(3)....
وثبت في الصحيحين(4)، من طريق عبد الله بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: " ما لقيت من قومك كان أشد منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أطلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم.
ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد قد بعثني الله، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني ما شئت، إن شئت تطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً ". انتهى باختصار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مدينة تبعد عن مكة 8 كيلو تقريباً.
(2) إحدى قبائل العرب وكانت تسكن الطائف.
(3) تركت هذا الحديث هنا ولم أحذفه مع ضعفه لأنبه عليه لشهرته بين الناس. قال الألباني رحمه الله في "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص19): ذكر -أي الدكتور الذي يرد عليه- (1 / 105 - 107) قصة ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعوته لثقيف وشجهم رأسه الشريف بالحجارة ودعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. . .) وقصته مع عداس النصراني وانكباب عداس عليه صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. وذكر مصدرا لها (طبقات ابن سعد وتهذيب السيرة لابن هشام).
قلت -الألباني-: أما (الطبقات) فلم يذكر من القصة كلها إلا أحرفاً يسيرة ومع ذلك فهو عنده (1 / 211 - 212) من قول محمد بن عمر بغير إسناد وغالب الظن أن الدكتور لا يعلم أن ابن عمر هذا هو الواقدي المتروك كما يأتي
وأما (تهذيب السيرة) فقد ذكره (2 / 60) من طريق ابن إسحاق بإسناد له مرسل إلا الدعاء فلم يسق له سندا فقد قال: (فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي -: اللهم. . .)
وقد أخرج القصة باختصار - وفيه الدعاء - الطبراني بإسناده عن ابن إسحاق بسنده عن عبد الله بن جعفر وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ولذلك ضعفت الحديث في (تخريج الفقه) (ص 132). انتهى
قلت: وضعفه في الضعيفة (2933).
(4) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795).
كتبه أبو الحسن علي الرملي
7/ 12/ 1440 هجري
جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم