• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: ما معنى التفويض
  • رقم الفتوى: 1352
  • تاريخ الإضافة: 3 رجب 1440
  • السؤال
    نسمع بارك الله فيكم عن مذهب المفوِّضة؛ وأن البعض يقولون: التفويض هو مذهب السلف؛ فما معنى التفويض؟ وهل هو حقاً مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم؟
  • الاجابة

    التفويض في صفات الله هو: إثبات لفظ الصفة، وعدم إثبات المعنى ولا الخوض فيه، ويجعلون آيات الصفات من المتشابه.

    والمفوضة هم الذين يقولون نفوض معنى الصفة إلى الله، يعني لا نفهمه ولا نعرفه فنتركه ولا نتكلم فيه، وبعضهم ينفي المعنى الظاهر من اللفظ.
    تقول : استوى؛ فيقولون : هذه الكلمة لا نفهم معناها، يفوضون المعنى؛ أي لا يثبتون معناها الحقيقي لله، ولا يفسرونها أيضاً بغير معناها الحقيقي، فهؤلاء المفوضة لا يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى؛ فهم يفوضون المعنى لله ولا يثبتونه؛ فهو مذهب الجهل بصفات الله تبارك وتعالى.

    والمفوضة قسم من الأشاعرة، فالأشاعرة قسمان: مفوضة، ومؤولة (أي محرفة)؛ فهؤلاء يحرفون الصفات عن معانيها الصحيحة، ويثبتون لها معاني باطلة، والمفوضة يفوضون معاني الصفات، ويقولون: الله أعلم بمعانيها، فلا أحد يعلمها، فلا يثبتون لها معاني لا صحيحة ولا باطلة.

    وينسب الأشاعرة مذهب التفويض للسلف، ويقولون: إن السلف كانوا مفوضة؛ لذلك يقول قائلهم: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم.

    فيعنون بمذهب السلف: التفويض، والمفوضة جهلة ؛ يعترفون بجهلهم بالصفات؛ فجعلوا السلف جهالاً، من هنا عظَّموا علمهم، وعظموا أنفسهم، وزهدوا بعلم السلف؛ فاغتروا بأنفسهم فانحرفوا عن جادة الصواب؛ بتركهم لاتباع السلف الذي أمرهم الله به، استهانوا بالسَلف وبعلمهم، وقللوا من شأنهم واحتقروا علمهم؛ فأدى بهم الحال إلى الكفر بما أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه.

    قال ابن القيم في الصواعق المرسلة (1/ 213) بعد أن ذكر مسائل من التفسير تنازع الصحابة فيها، قال: ولم يتنازعوا في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها.. انتهى

    قال خليل الهراس المصري في شرحه على العقيدة الواسطية (ص67):  ويوجد التعطيل بدون التحريف فيمن نفى الصفات الواردة في الكتاب والسنة، وزعم أن ظاهرها غير مرادها، ولكنه لم يعين لها معنى آخر، وهو ما يسمونه بالتفويض.
    ومن الخطأ القول بأن هذا هو مذهب السلف؛ كما نسب ذلك إليهم المتأخرون من الأشاعرة وغيرهم، فإن السلف لم يكونوا يفوضون في علم المعنى، ولا كانوا يقرؤون كلاماً لا يفهمون معناه؛ بل كانوا يفهمون معاني النصوص من الكتاب والسنة، ويثبتونها لله عز وجل، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات أو كيفياتها؛ كما قال مالك حين سئل عن كيفية استوائه تعالى على العرش:
    " الاستواء معلوم، والكيف مجهول". انتهى
    وقال ابن عثيمين في القواعد المثلى (ص35): وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويَدَّعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً، وتفصيلاً أحياناً، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله عز وجل.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه المعروف ب"العقل والنقل" (ص 116، ج 1) المطبوع على هامش "منهاج السنة": "وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله" إلى أن قال (ص 118) : "وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه" قال: "ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبياناً للناس، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته.. لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بَيَّنَ للناس ما نُزِّل إليهم، ولا بَلَّغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يُسْتَدَل به، فيبقى هذا الكلام سدًا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم، ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء، لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن يبينوا مرادهم.
    فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد" ا.هـ كلام الشيخ، وهو كلام سديد من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم. انتهى

    هؤلاء مفوضة الصفات، ويوجد فرقتان غير هذه الفرقة يقال لهم مفوضة، وهم مفوضة الرافضة، ومفوضة القدرية. والله أعلم

     

     

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم