• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: نواقض الوضوء
  • رقم الفتوى: 1456
  • تاريخ الإضافة: 12 رجب 1440
  • السؤال
    أرجو من فضيلتكم ذكر نواقض الوضوء ؟
  • الاجابة

     نواقض الوضوء على ثلاثة أقسام :

    القسم الأول: الخارج المعتاد من القبل والدبر، وهو: الغائط، والبول، والريح، والمني، والمذي، والودي.

     وأما غير المعتاد كالشعر والحصا فإذا كان معه بول أو غائط فناقض وإلا فلا، انظر التفصيل في الفتوى رقم (1475) والله أعلم 

    القسم الثاني: ما يوجب الغسل، وهو: المني، والتقاء الختانين أي الجماع، والحيض، والنفاس عند المرأة.

    القسم الثالث: أكل لحم الأبل على الصحيح؛ لحديث جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت، فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: « نعم، فتوضأ من لحوم الإبل » قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: « نعم »، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: « لا »([1]).

    وأما النوم فهو مظِنة الحدث، فإذا نام بحيث لو انتقض وضوءه شعر بنفسه، فإن وضوءه باق، وإذا نام بحيث لو أحدث لم يشعر بنفسه، فقد انتقض وضوءه.

    وما تبقى من الأشياء التي ذكرها الفقهاء فليست بنواقض على الصحيح؛ فالأصل بقاء الطهارة وعدم انتقاضها إلا بدليل انظر الفتوى رقم (1457) و (1493). والله أعلم.

    وإذا أردت التفصيل بالأدلة وأقوال الأئمة:
    فقال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 20): وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَوْل من غير المستنكح بِهِ، وَأَن الفسو والضراط إذا خرج كل ذَلِك من الدبر، وَأَن إيلاج الذّكر فِي فرج الْمَرْأَة بِاخْتِيَار المولج؛ ينْقض الْوضُوء، بنسيان كَانَ ذَلِك أَو بعمد، وَكَذَلِكَ ذهَاب الْعقل بسكر أَو إغماء أَو جُنُون. انتهى

     قال ابن قدامة في المغني (1/ 125): مسألة: قال أبو القاسم: والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر. وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة، وخروج المذي، وخروج الريح من الدبر؛ أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء، ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة.
    الضرب الثاني: نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضاً، وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحماد والأوزاعي وابن المبارك، يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب؛ لأنه نادر، أشبه الخارج من غير السبيل. ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي؛ ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به، فينتقض الوضوء بها، وقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد». انتهى 
    وقال (1/ 128): زوال العقل على ضربين: نوم وغيره، فأما غير النوم، وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل، فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه؛ ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم، بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه.
    الضرب الثاني: النوم، وهو ناقض للوضوء في الجملة، في قول عامة أهل العلم، إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وحميد الأعرج، أنه لا ينقض. وعن سعيد بن المسيب، أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة، ثم يصلي ولا يعيد الوضوء. ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه، والحدث مشكوك فيه، فلا يزول عن اليقين بالشك. ولنا: قول صفوان بن عسال: " لكن من غائط وبول ونوم " وقد ذكرنا أنه صحيح وروى علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود، وابن ماجه؛ ولأن النوم مظنة الحدث، فأقم مقامه، كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال. انتهى 
    وقال (1/ 128): فصل: والنوم ينقسم ثلاثة أقسام نوم المضطجع، فينقض الوضوء يسيره وكثيره، في قول كل من يقول بنقضه بالنوم. الثاني نوم القاعد، إن كان كثيراً نقض، رواية واحدة وإن كان يسيرا لم ينقض. وهذا قول حماد والحكم ومالك والثوري، وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متكئا مفضياً بمحل الحدث إلى الأرض، لما روى أنس، قال: «كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ينامون ثم يقومون فيصلون، ولا يتوضئون» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون وهذا إشارة إلى جميعهم وبه يتخصص عموم الحديثين الأولين.
    ولأنه متحفظ عن خروج الحدث، فلم ينقض وضوءه، كما لو كان نومه يسيراً. ولنا: عموم الحديثين الأولين، وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس، وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم، فهو يقين في اليسير، فيعمل به وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن؛ ولأن نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه، ولا يحس بخروجه منه، بخلاف اليسير، ولا يصح قياس الكثير على اليسير، لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث.
    الثالث ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد، فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان: إحداهما ينقض. وهو قول الشافعي؛ لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص، ولا هو في معنى المنصوص، لكون القاعد متحفظاً، لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض، والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما. والثانية لا ينقض إلا إذا كثر. وذهب أبو حنيفة إلى أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر؛ لما روى ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت، فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعا؛ فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» رواه أبو داود؛ ولأنه حال من أحوال الصلاة.
    فأشبهت حال الجلوس، والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس؛ لأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث لعدم التمكن من الاستثقال في النوم، فإنه لو استثقل لسقط. والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع؛ لأنه ينفرج محل الحدث، ويعتمد بأعضائه على الأرض، ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع. والحديث الذي ذكروه منكر. قاله أبو داود.
    وقال ابن المنذر: لا يثبت، وهو مرسل يرويه قتادة عن أبي العالية. قال شعبة: لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها.
    وقال (1/ 130): فصل: ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأن النوم الغلبة على العقل، قال بعض أهل اللغة في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255] السنة: ابتداء النعاس في الرأس، فإذا وصل إلى القلب صار نوماً قال الشاعر:
    وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم
    ولأن الناقض زوال العقل، ومتى كان العقل ثابتاً وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه، فلم يوجد سبب النقض في حقه. وإن شك هل نام أم لا، أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا أو حديث نفس، فلا وضوء عليه. انتهى 

    وقد ذكر ابن المنذر ستة أقوال في نقض الوضوء بالنوم انظرها في الأوسط (1/ 253).

    وقال ابن قدامة في المغني (1/ 138) في نقض الوضوء بأكل لحم الإبل:  وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا، عالما كان أو جاهلا. وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر، وهو أحد قولي الشافعي. قال الخطابي: ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث.
    وقال الثوري ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي: لا ينقض الوضوء بحال؛ لأنه روي عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الوضوء مما يخرج لا مما يدخل» وروي عن جابر، قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار» رواه أبو داود. ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات. وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال: في الذي يأكل من لحوم الإبل: إن كان لا يعلم ليس عليه وضوء، وإن كان الرجل قد علم وسمع، فهذا عليه واجب؛ لأنه قد علم، فليس هو كمن لا يعلم ولا يدري. قال الخلال: وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله في هذا الباب.
    ولنا: ما روى البراء بن عازب قال: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الإبل، فقال: توضؤوا منها وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا يتوضأ منها» رواه مسلم وأبو داود، وروى جابر بن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أخرجه مسلم، وروى الإمام أحمد بإسناده، عن أسيد بن حضير، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم».
    وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك، قال أحمد، وإسحاق وابن راهويه: فيه حديثان صحيحان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حديث البراء وحديث جابر بن سمرة. وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له، وإنما هو من قول ابن عباس، موقوف عليه، ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه؛ لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام، وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضاً؛ لصحته وخصوصه. فإن قيل: فحديث جابر متأخر، فيكون ناسخاً.
    قلنا: لا يصح النسخ به لوجوه أربعة؛ أحدها: أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار، أو مقارن له؛ بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، وهي مما مست النار، فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي، وإما أن يكون بشيء قبله؛ فإن كان به، فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به؟ ومن شروط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان النسخ قبله، لم يجز أن ينسخ بما قبله.
    الثاني، أن أكل لحوم الإبل إنما نقض؛ لكونه من لحوم الإبل، لا لكونه مما مست النار، ولهذا ينقض وإن كان نيئا، فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى، كما لو حرمت المرأة للرضاع، ولكونها ربيبة، فنسخ التحريم بالرضاع لم يكن نسخا لتحريم الربيبة.
    الثالث، أن خبرهم عام وخبرنا خاص، والعام لا ينسخ به الخاص؛ لأن من شروط النسخ تعذر الجمع، والجمع بين الخاص والعام ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص.
    الرابع: أن خبرنا صحيح مستفيض، ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص، وخبرهم ضعيف؛ لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه، فلا يجوز أن يكون ناسخا له. فإن قيل: الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب، فنحمله عليه. ويحتمل أنه أراد بالوضوء قبل الطعام وبعده غسل اليدين؛ لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام، اقتضى غسل اليد، كما كان - عليه السلام - يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده، وخص ذلك بلحم الإبل؛ لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره.
    قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه: أحدها، أن مقتضى الأمر الوجوب. الثاني، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن حكم هذا اللحم، فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب؛ لأنه يكون تلبيساً على السائل، لا جواباً. الثالث، أنه - عليه السلام - قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، والمراد بالنهي هاهنا نفي الإيجاب لا التحريم، فيتعين حمل الأمر على الإيجاب، ليحصل الفرق.
    وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة:
    أحدها: أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب، فإن غسل اليد بمفرده غير واجب، وقد بينا فساده.
    الثاني: أن الوضوء إذا جاء على لسان الشارع، وجب حمله على الموضوع الشرعي دون اللغوي؛ لأن الظاهر منه، أنه إنما يتكلم بموضوعاته. الثالث: أنه خرج جواباً لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها، والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة.
    الرابع: أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم؛ فإن غسل اليد منهما مستحب ولهذا قال: " من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه ". وما ذكره من زيادة الزهومة فأمر يسير، لا يقتضي التفريق. والله أعلم.
    ثم لا بد من دليل نصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة الظواهر المتروكة، وأقوى منها، وليس لهم دليل، وقياسهم فاسد؛ فإنه طردي لا معنى فيه، وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضي، لا لكونه مأكولا، فلا أثر لكونه مأكولا، ووجوده كعدمه.
    ومن العجب أن مخالفينا في هذه المسألة، أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الأصول؛ فأبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها، بحديث من مراسيل أبي العالية ومالك والشافعي أوجباه بمس الذكر، بحديث مختلف فيه، معارض بمثله دون مس بقية الأعضاء، وتركوا هذا الحديث الصحيح الذي لا معارض له، مع بعده عن التأويل، وقوة الدلالة فيه، لمخالفته لقياس طردي. انتهى 
    وانظر الأوسط لابن المنذر (1/ 247).


    ([1]) أخرجه مسلم (360).  

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم