• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: الإيمان عند أهل السنة
  • رقم الفتوى: 1481
  • تاريخ الإضافة: 13 رجب 1440
  • السؤال
    ما هي عقيدة أهل السنة في الإيمان؟
  • الاجابة

    عقيدة أهل السنة في الإيمان التي أجمعوا عليها؛ أنه: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

    والأدلة الشرعية؛ أدلة الكتاب والسنة تدل على أن هذه الثلاثة: الاعتقاد والقول والعمل؛ هي الإيمان، لا القول وحده، ولا العمل وحده، ولا الاعتقاد وحده؛ بل الإيمان هو الثلاثة.

    فلا يكون العبد مؤمناً حتى يقول بلسانه كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ وهذا معنى: الإيمان قول باللسان.

    وعمل الأركان؛ وهي الجوارح؛ كالأيدي والأقدام، فالصلاة من الإيمان والصيام والحج والزكاة والهجرة والجهاد؛ كلها من الإيمان.

    وعقد الجنان؛ أي اعتقاد قلبي؛ منه التصديق وأعمال القلوب.

    فدخلت بهذا جميع العبادات القولية والاعتقادية والعملية في الإيمان.

    قال ابن تيمية (7/ 672) من مجموع الفتاوى: وأجمع السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ومعنى ذلك أنه قول القلب وعمل القلب ثم قول اللسان وعمل الجوارح.

    فأما قول القلب فهو التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ويدخل فيه الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم الناس في هذا على أقسام: منهم من صدق به جملة ولم يعرف التفصيل، ومنهم من صدق جملة وتفصيلاً، ثم منهم من يدوم استحضاره وذكره لهذا التصديق، ومنهم من يغفل عنه ويذهل، ومنهم من استبصر فيه بما قذف الله في قلبه من النور والإيمان، ومنهم من جزم به لدليل قد تعترض فيه شبهة أو تقليد جازم.

    وهذا التصديق يتبعه عمل القلب وهو حب الله ورسوله، وتعظيم الله ورسوله، وتعزير الرسول وتوقيره، وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكل عليه، إلى غير ذلك من الأحوال، فهذه الأعمال القلبية كلها من الإيمان، وهي مما يوجبها التصديق والاعتقاد إيجاب العلة للمعلول.

    ويتبع الاعتقاد قول اللسان، ويتبع عمل القلب الجوارح من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك. انتهى

    فيعرف بذلك أن الاعتقاد القلبي وحده لا يكفي، والقول باللسان وحده لا يكفي، والعمل بالجوارح وحده لا يكفي؛ حتى تجتمع هذه الثلاثة؛ ليكون العبد مؤمناً، فلا يجزئ واحد عن الآخر، انظر الفتوى رقم (1482).

    والإيمان يزيد بالطاعات، فالعبادات المختلفة كلها تزيد الإيمان، ومنها الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها، كلما زادت زاد إيمان العبد وزادت طاعته، وكلما نقصت نقص على حسب العمل، فإذا كان العمل واجباً؛ نقص إيمانه الواجب، وإذا كان مستحباً؛ نقص إيمانه المستحب.

    والأدلة على ما تقدم كثيرة جداً من الكتاب والسنة؛ منها:

    قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة:5]

    فهذه الآية تدل على أن الإخلاص وهو قلبي، والصلاة والزكاة؛ وهما عمل الجوارح؛ كلها من الإيمان.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"متفق عليه

    ففي الحديث: قول ونطق باللسان وهو الشهادة؛ قول ( لا إله إلا الله)، وفيه عمل الجوارح؛ وهو( إماطة الأذى عن الطريق)، وفيها أمر قلبي وهو(الحياء) فجعل عليه السلام هذه الثلاثة أجزاء الإيمان؛ فقال: " الإيمان بضع وسبعون شعبة"، إذن فهذه كلها داخلة في الإيمان، والإيمان شُعَبٌ وأجزاء، والحديث صريح في الدلالة على ذلك.

    وقال سبحانه وتعالى: { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً}[التوبة:124]، وقال:{ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} [الفتح:4]؛ فهذه الآيات تدل على زيادة الإيمان؛ وهي صريحة في ذلك.

    وقال صلى الله عليه وسلم:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال بُرَّةٍ، أو خردلة، أو ذرة من إيمان" متفق عليه.

    ففي الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان متفاوتاً بعضه أكبر من بعض، ويتناقص الإيمان إلى أن يصل إلى هذه الدرجة؛ فالإيمان يزيد وينقص.

    وجعله متفاضلاً؛ بعضه بقدر البرة؛ أي القمحة، وبعضه بقدر الخردلة؛ وهو نبت صغير الحب؛ أي بقدر وزن النملة الصغيرة، وكل واحد وزنها أكبر من الأخرى.

    ففي هذه الأدلة ردٌّ على الذين يقولون الإيمان شيء واحد لا يتفاضل، ولا يزيد ولا ينقص، وهو في القلب فقط؛ وهم المرجئة.

    وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة؛ أن القول اعتقاد القلب، وقول اللسان ، وعمل الجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ وهو أمر مجمع عليه عند أهل السنة وهي عقيدتهم.

    أقوال السلف متواترة عنهم بذلك، انظرها في السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، والسنة للخلال، والشريعة للآجري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي.
    قال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد، في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها، المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق، والحجاز، والشام، وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها؛ فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة، وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية . انتهى انظره في اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/ 420).

    وقال الآجري في الشريعة (2/ 611): باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمناً، إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث، قال محمد بن الحسين - الآجري- : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزيء معرفة بالقلب، ونطق باللسان، حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمناً، دل على ذلك القرآن، والسنة، وقول علماء المسلمين. انتهى
    وقال (2/ 580): باب ذكر ما دل على زيادة الإيمان ونقصانه. انتهى

    ثم ذكر الأدلة وآثار السلف رضي الله عنهم في ذلك.

    وقال ابن تيمية (7/ 331) من مجموع الفتاوى: وقد حكى غير واحد إجماع أهل السنة والحديث على أن الإيمان قول وعمل. قال أبو عمر بن عبد البر في " التمهيد ": أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعة لا تسمى إيماناً، قالوا: إنما الإيمان التصديق والإقرار، ومنهم من زاد المعرفة وذكر ما احتجوا به. . . إلى أن قال: وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم: مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي والطبري ومن سلك سبيلهم؛ فقالوا: الإيمان قول وعمل قول باللسان وهو الإقرار واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح مع الإخلاص بالنية الصادقة. قالوا: وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الذنوب عندهم مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر. انتهى
    وقال (7/ 332): وكذلك ذكر أبو عمرو الطلمنكي إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ونية وإصابة السنة. انتهى

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم