• نوع الفتوى: عقيدة
  • عنوان الفتوى: الدين اتباع النصوص وليس إعمال العقول
  • رقم الفتوى: 1496
  • تاريخ الإضافة: 16 رجب 1440
  • السؤال
    نسمع بعض الناس ممن يرون أنفسهم أصحاب عقول ؛ يقولون: نؤمن بما يوافق عقولنا مما جاء في الشرع، فيردون الأخبار التي لا تقبلها عقولهم كعذاب القبر وبعض أشراط الساعة وغيرها من الأخبار، ويميل الجهلة في العلم الشرعي لكلامهم؛ فهل من توجيه حفظكم الله؟
  • الاجابة

    يجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ سواء كان من الأمور المشاهدة أو الغائبة عنا لانراها، والتي لا تعرف إلا بالأخبار الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم؛ وجب الإيمان به؛ سواء أدركته عقولنا أم لا، وسواء شاهدناه بحواسنا أم لا، الناس لا يتفاضلون بالإيمان بالمُشاهد؛ فالمشاهد الحسيُّ يؤمن به الجميع؛ ولكن الميزة تكون بالإيمان بالأمور الغيبية التي غابت عنا؛ بغضِّ النظر عن كونها من نوع ما لا يدرك بالعقل أم لا، ومما لا يدرك إلا بالحس أو لا، فإن الإيمان بالأمور الغيبية يميز المؤمن عن غيره، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يؤمنون بالغيب؛ فقال:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون* أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.
    وهذه المسألة من أعظم الفوارق بين أهل السنة والعقلانيين الذين يسمون عند السلف بأهل الكلام، أو (المتكلمون) أو (أهل الرأي)(1)؛ فهؤلاء لا يؤمنون إلا بما توافقه عقولهم من الغيبيات فقط، ويعارضون النصوص الشرعية بعقولهم؛ ففي إيمانهم خلل ونقص، بخلاف أهل السنة؛ يؤمنون بكل غيب ثبت في الشرع؛ إيماناً وتسليماً وانقياداً لشرع ربهم تبارك وتعالى.

    ولو كان العقل كافياً لما احتجنا للشرع ولا للرسل.
    أخرج الآجري في الشريعة (1/ 454) بإسناد صحيح عن الإمام الأوزاعي أنه قال: "عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوا لك بالقول". 
    وأخرج عن زياد بن كليب قال: قال أبو حمزة لإبراهيم: يا أبا عمران أي هذه الأهواء أعجب إليك؟ فإني أحب أن آخذ برأيك وأقتدي بك، قال: ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير، وما هي إلا زينة الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول.
    وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: قلت لأحمد بن نصر وحدث بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتأخذ به؟ فقال: أترى على وسطي زناراً؟! لا تقل لخبر النبي صلى الله عليه وسلم أتأخذ به، وقل: أصحيح هو ذا؟ فإذا صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت به شئت أو أبيت. أخرجه الهروي في ذم الكلام وأهله (2/ 178)
    وأخرج (2/ 187) عن محمد بن سلام البيكندي قال: سمعت وكيعاً يقول: من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة، ومن طلبه ليقوي به رأيه فهو صاحب بدعة. 
    ومثل هذا عن السلف كثير انظره في ذم الكلام وأهله للهروي فهو كتاب نفيس في بابه، فهذا القول وهو تقديم العقل على النقل هو أصل أهل البدع الأول الذي خالفوا فيه السنة وردوها، وخالفوا منهج السلف الصالح رضي الله عنهم وطريقة أهل الحديث.

     قال الإمام الشافعي في هؤلاء: «لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه سوى الشرك، خير له من الكلام، ولقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلماً يقول ذلك» أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص 137).

    وقال:  «حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل فينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام » أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص 78) وغيره.
    وقال ابن قدامة في تحريم النظر في كتب الكلام (41- 42): وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع أهل الأمصار، أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ لا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والمتفقه فيه.
    وقال أحمد بن إسحاق المالكي: أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم من أهل الأهواء والبدع، أشعرياً كان أو غير أشعري، لا تقبل له شهادة، ويهجر، ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها.
    وذم أهل الكلام كثير، وابن عقيل من أهل الكلام، وهو في هذه الحالة ينصر مذهبهم، فلذلك تكلمنا عليه وذكرنا عيوبه؛ لدخوله في جملتهم ودعايته إلى طريقهم. انتهى 

     فمنهج السلف اتباع الشرع وعدم معارضته بالعقل، انظر الفتوى رقم (1433)، ومنهج المتكلمين قائم على اتباع العقل، ورد الشرع به.
    والأمر كما قال بعض أهل العلم: المتبع للعقل هو في الحقيقة متبع لهواه.

    ولا يمكن في حقيقة الأمر أن يخالف الشرع العقل الصريح، ولكن العقول تختلف وتضطرب، وتجهل، وكثير من الناس عادة ينكرون ما يجهلون.

    فالعقل لا يدرك كل شيء، وإنما له حد ينتهي إليه، قال الإمام الشافعي رحمه الله:«إن للعقل حداً ينتهي إليه، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه». أخرجه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي (ص 207). والله أعلم 

    قال الشيخ ابن باز: " يجب أن لا يعتمد على عقله ، بل يدرس النصوص ، ويعتمد النصوص من كلام الله وكلام رسوله ؛ لأن فيه الهدى ، وفيه التوجيه إلى الخير، والعقل يخطئ ويصيب ، والفرق المخالفة لأهل السنة هلكوا بأسباب عقولهم، ظنوا أن عقولهم جيدة وأنها مصيبة فخالفوا النصوص بأسباب عقولهم الكاسدة التي ظنوها صحيحة، وما الذي أوقع الجهمية في نفي الصفات والأسماء ، والجبر إلا عقولهم الفاسدة؟! وما الذي أوقع المعتزلة في نفي الصفات ، وتخليد العصاة في النار إلا عقولهم الفاسدة ؟! وهكذا أتباعهم ممن قال بهذا القول، وما الذي أوقع الخوارج في تكفير الناس بالذنوب والقول بأن العاصي كافر ، وأنه مخلد في النار إلا عقولهم الفاسدة ؟ ! وهكذا غيرهم من البدع، عقولهم التي اعتمدوا عليها هي التي أهلكتهم ؛ لأنهم ظنوها سليمة ، وظنوها صحيحة ، وظنوها جيدة معصومة وهي ليست كذلك ، بل هي غير معصومة، تخطي كثيرا، ولكن أحسنوا فيها الظن ، وأساؤوا الظن بالنصوص فهلكوا ، والواجب حسن الظن بالنصوص وإساءة الظن بالعقول ، وأن تخضع العقول للنصوص، النصوص معصومة إذا ثبتت أسانيدها ، وأما العقول فغير معصومة، الإنسان محل الخطأ ومحل التقصير ومحل الهوى، وأما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله فهو معصوم بإجماع المسلمين، وهكذا القرآن معصوم ، كلام الله - عز وجل -، فالواجب أن يحكم القرآن والسنة في عقلك ، وأن يقدم القرآن والسنة على عقلك ، وعلى عقل شيخك ومشايخك ، وآباءك وأسلافك ، والناس كلهم، فالنصوص مقدمة على جميع العقول".
    https://binbaz.org.sa/old/29944
    وقال: "دور العقل: التَّفهم والتَّعقل، ومعرفة المعنى، والنظر في الأسانيد -فيما يتعلق بالسنة- وصحّتها، وليس له أن يُقدّم ما يرى على الكتاب والسنة، بل هو .. يجب أن تخضع للكتاب والسنة، وليس لأهل الإسلام أن يُقدِّموا عقولهم أو آراءهم على ما قاله الكتاب والسنة، لا، فالعقل تابعٌ، وإنما وظيفته أن يتأمّل ويتفقه ويعمل، وليس له أن يشرع، فالذين شرعوا من الجهمية والمعتزلة وغيرهم هلكوا ووقعوا في أنواعٍ من الباطل؛ لتقديمهم العقول على النصوص، والواجب إخضاع العقول وإخضاع القلوب وإخضاع النفوس للنصوص، وأن يكون المؤمن تابعًا لكتاب الله، ولما صحَّت به السنةُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يستعمل عقله في معرفة المعنى، في صحَّة الحديث وعدم صحَّته، يسأل أهل العلم، ينظر في الطرق المؤدية إلى ذلك، هذه هي وظيفة العقل، أما أن يُقدّم رأيه على ما ثبت أنه من شرع الله فلا".

    https://binbaz.org.sa/fatwas/20888/

    ــــــــــــــــــــــــ
    (1) أي أهل الرأي من الذين يقدمون العقل على النصوص الشرعية سواء في العقيدة أو الفقه، ومن أهل الرأي من لا يعارض الشرع باجتهاده، ولا يجتهد إلا فيما لا نص فيه ولا إجماع من المسائل الفقهية، فلا يخالف الشرع بعقله، أي يجتهد فيما يجوز فيه الاجتهاد فقط، هؤلاء غير مقصودين بالذم، فقد جاء عن الإمام الأوزاعي أنه ذكر شخصاً ثم قال: ما نقمنا عليه أنه يرى،
    كلنا يرى، ولكنا نقمنا عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره. أخرجه الهروي في ذم الكلام وأهله (3/ 2)، فهذا يبين الفارق بين الرأي الجائز والمحرم عندهم، ويبين أن المسائل الشرعية قسمان قسم الواجب فيه الاتباع ولا يجوز الاجتهاد فيه، وهو ما فيه نص محكم أو إجماع، وقسم لا نص فيه محكم ولا إجماع عن السلف فيجوز الاجتهاد فيه. 
    والله أعلم 

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم