• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: كفارة الكبير والمريض العاجزين عن الصيام
  • رقم الفتوى: 1734
  • تاريخ الإضافة: 13 شعبان 1440
  • السؤال
    رجل كبير في السن لا يستطيع الصوم مطلقاً أو يشق عليه كثيراً ماذا يفعل، هل يكفّر؟ وكذلك المريض الذي لا يرجى شفاؤه إذا أفطر في رمضان ؟
  • الاجابة

    الصحيح أن هذا لا صيام ولا كفارة عليه ولا شيء، وإذا كفر بإطعام مسكين واحد عن كل يوم، قدر مد -يعني حفنة- بكفيّ الرجل المتوسط اليدين، من طعام أهل البلد كالأرز مثلاً؛ فلا بأس، ولكنه لا يجب. والله أعلم

    اختلف أهل العلم في ذلك؛ فمنهم من أوجب كفارة إطعام مسكين عن كل يوم على الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، وكذلك المريض الذي لا يرجى شفاؤه؛ كمرض السرطان ونحوه.

    وحجتهم في ذلك قول ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، قال ابن عباس: «ليست هذه الآية منسوخة هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً»([1]) ، هذا ما اعتمدوا عليه في إلزام الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان الصوم بالإطعام، وقاسوا المريض على الشيخ الكبير.

    والقول الثاني وهو الصحيح أنه لا كفارة عليه وهو مذهب مالك وقول للشافعي، وحجتهم أن الآية منسوخة، قال سلمة بن الأكوع : «كان من أراد أن يُفطِر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها»([2]) ، أي، كان الصيام بالخيار بين أن تصوم أو تفتدي فتطعم مسكيناً عن اليوم، ثم نسخ حكم التخيير بالآية التي بعدها وهي قول الله تبارك وتعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، وظاهر الآية مع سلمة، وليس مع ابن عباس. والله أعلم 

    قال ابن المنذر في الإشراف (3/ 152): أجمع أهل العلم على أن الشيخ والعجوز العاجزين عن الصوم أن يفطرا.

    واختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، فكان الأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي يقولون: يفطران، ويطعم كل واحد منهما عن كل يوم مسكيناً واحداً، وروينا هذا القول عن سعيد بن جبير، وطاووس.
    وقال أحمد، وإسحاق في الشيخ: يطعم منها إن شاء، وإن شاء جفن جفاناً كما صنع أنس بن مالك.

    وقال ربيعة، ومالك، وخالد بن الدريك، وأبو ثور: لا شيء على الشيخ الكبير من الكفارة ولا غيره، وروي ذلك عن مكحول.
    وبه نقول. انتهى

    وقال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 360) عند شرح أثر أنس بن مالك: «كبر حتى كان لا يقدر على الصيام، فكان يفتدي» قال مالك: «ولا أرى ذلك واجباً، وأحب إلي أن يفعله إذا كان قوياً عليه، فمن فدى فإنما يطعم مكان كل يوم مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم»، قال ابن عبد البر: منهم من قال: منسوخة جملة - يعني آية:{وعلى الذين يطيقونه..} - في الشيخ وفي غيره.
    ومِن قول هؤلاء أو بعضهم: أن الناس لا يخلون من إقامة أو سفر، ومن صحة أو مرض، فالصحيح المقيم غير مخير؛ لأن الصوم كان عليه فرضاً واجباً لقدرته على ذلك، وإقامته ببلده. والمسافر يخير على ما تقدم من حكمه في كتاب الله - عز وجل -، فإن أفطر فعليه عدة من أيام أخر ولا فدية. والمريض لا يخلو من أن يرجى برؤه وصحته، فهذا إن صح قضى ما عليه عدة من أيام أخر، وإن لم يطمع له بصحة ولا قوة كالشيخ والعجوز اللذين قد انقطعت قوتهما ولا يطمعان أن يثوبا إليهما حال يمكنها من القضاء؛ فلا شيء عليهما من فدية ولا غيرها؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
    هذا معنى قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ومكحول الدمشقي وربيعة بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز ومالك وأصحابه، وبه قال أبو ثور، ورواية عن قتادة.
    إلا أن مالكاً يستحب للشيخ الذي لا يقدر على الصيام إذا قدر على الفدية بالطعام أن يطعم عن كل يوم مداً لمسكين من قوته، ولا يرى ذلك عليه واجباً عليه. انتهى 

    وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 63): وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام: فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا، واختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، فقال قوم: عليهما الإطعام. وقال قوم: ليس عليهما إطعام. وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة، وبالثاني قال مالك؛ إلا أنه استحبه.
    وأكثر من رأى الإطعام عليهما يقول: مد عن كل يوم، وقيل: إن حفن حفنات كما كان أنس يصنع أجزأه.
    وسبب اختلافهم اختلافهم في القراءة التي ذكرنا - أعني: قراءة من قرأ {وعلى الذين يطيقونه} [البقرة: 184]- فمن أوجب العمل بالقراءة التي لم تثبت في المصحف إذا وردت من طريق الآحاد العدول، قال: الشيخ منهم، ومن لم يوجب بها عملاً جعل حكمه حكم المريض الذي يتمادى به المرض حتى يموت. انتهى

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

    ([1]) أخره البخاري (4505).

    ([2]) أخرجه البخاري (4507)، ومسلم (1145).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم