• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: صلاة الغائب
  • رقم الفتوى: 263
  • تاريخ الإضافة: 8 مٌحَرم 1440
  • السؤال
    أحسن الله إليكم، ما حكم صلاة الغائب؟
  • الاجابة

    الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة جواز صلاة الغائب على من لم يصل عليه من المسلمين، هذا أقرب الأقوال إلى الصواب. والله أعلم

    فلم نجد في الآثار عن الصحابة ما يدل على التوسع المذكور في الأقوال الأخرى. هذه خلاصة الفتوى.

    التفصيل:

    اختلف أهل العلم في هذه المسألة على عدة أقوال:

    الأول: جواز الصلاة على كل غائب، وبه قال الشافعي وأحمد، واحتجوا بحديث الصلاة على النجاشي، وقالوا: فِعلُها مرة واحدة يكفي لبيان الجواز.

    والثاني: عدم الجواز مطلقاً، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ورواية عن أحمد، وقالوا: حديث النجاشي خاص.

    والثالث: جواز الصلاة على الغائب الذي لم يصل عليه، بوب أبو داود السجستاني باباً في سننه (3204) يشير إلى هذا القول، وممن اختاره: الخطابي (1)، وابن تيمية (2)، وابن القيم (3)، وابن العثيمين (4)، والألباني (5) وغيرهم، قالوا: لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غير النجاشي صلاة الغائب، والنجاشي لم يُصلَّ عليه، فجعلوا سبب تخصيص النجاشي بالصلاة أنه لم يصل عليه.

    والرابع: جواز الصلاة على من له شأن ومنفعة للمسلمين؛ كالعالم والمجاهد. اختاره ابن باز (6) واللجنة الدائمة (7)، وأخذه البعض من كلام الإمام أحمد (8). احتجوا بما احتج به أصحاب القول الثالث إلا أنهم جعلوا السبب أن النجاشي له شأن في الإسلام ومنفعة لذلك خصه بالصلاة.

    ولبعض أهل العلم قيود أخرى.

    قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/242) عند شرح حديث الصلاة على النجاشي: واستُدِل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف؛ حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه.

    قال الشافعي: الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان مُلفَّفاً يصلى عليه فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف؟

    وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك.

    وعن بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه، لا ما إذا طالت المدة، حكاه ابن عبد البر.

    وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، فلو كان بلد الميت مستدبر القبلة مثلاً لم يجز. قال المحب الطبري: لم أر ذلك لغيره، وحجته حجة الذي قبله الجمود على قصة النجاشي.

    وستأتي حكاية مشاركة الخطابي لهم في هذا الجمود.

    وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور منها: أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي: لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه، واستحسنه الروياني من الشافعية وبه ترجم أبو داود في السنن: الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر، وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد....

    وأيضا أن ذلك خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب غيره.... واستند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلماً، أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته. قال النووي: لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله. وقال ابن العربي المالكي: قال المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد، قلنا: وما عمل به محمد تعمل به أمته. يعني لأن الأصل عدم الخصوصية. قالوا: طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. قلنا: إن ربنا عليه لقادر، وإن نبينا لأهل لذلك؛ ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثاً من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات، ودعوا الضعاف؛ فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف. انتهى باختصار.

    وقال ابن قدامة في المغني (3/446- عالم الكتب): فصل: وتجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية، فيستقبل القبلة، ويصلي عليه كصلاته على حاضر، وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن، وسواء كان بين البلدين مسافة القصر أو لم يكن. وبهذا قال الشافعي.

    وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يجوز. وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى كقولهما؛ لأن من شرط الصلاة على الجنازة حضورها، بدليل ما لو كان في البلد لم تجز الصلاة عليها مع غيبتها عنه.

    ولنا، ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه نعى النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه، وصلى بهم بالمصلى، فكبر عليه أربعاً» متفق عليه. فإن قيل: فيحتمِل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زويت له الأرض، فأري الجنازة. قلنا: هذا لم ينقل، ولو كان لأخبر به.

    ولنا أن نقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه، ولأن الميت مع البعد لا تجوز الصلاة عليه وإن رئي، ثم لو رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - لاختصت الصلاة به، وقد صف النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم.

    فإن قيل: لم يكن بالحبشة من يصلي عليه، قلنا: ليس هذا مذهبكم، فإنكم لا تجيزون الصلاة على الغريق، والأسير، ومن مات بالبوادي، وإن كان لم يُصلَّ عليه، ولأن هذا بعيد؛ لأن النجاشي ملك الحبشة، وقد أسلم وظهر إسلامه، فيبعد أن يكون لم يوافقه أحد يصلي عليه. انتهى

    وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/347):
    وقوله: «وعلى غائب» أطلق فيشمل كل غائب؛ رجلاً كان أو امرأة، شريفاً أو وضيعاً، قريباً أو بعيداً، فتصلي على كل غائب.

    وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال ثلاثة:

    القول الأول: أنه يصلى على كل غائب، ولو صلى عليه آلاف الناس.

    وبناء على هذا القول اتخذ بعض العلماء عملاً لا يشك أحد في أنه بدعة، فقال: إذا أردت أن تنام فصلِّ صلاة الجنازة على كل من مات في اليوم والليلة من المسلمين تؤجر أجراً كثيراً، فقد يكون مات في هذه الليلة آلاف فيكون لك أجر آلاف الصلوات.

    ولكن هذا القول لا شك أنه بدعة؛ لأن أعلم الناس بالشرع، وأرحم الناس بالخلق، وأحب الناس أن ينفع الناس الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، ولا فعله خلفاؤه الراشدون، ولا علم عن أحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.

    القول الثاني: أنه يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين، أي: منفعة، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك، فيصلى عليه شكراً له ورداً لجميله، وتشجيعاً لغيره أن يفعل مثل فعله.
    وهذا قول وسط اختاره كثير من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.

    القول الثالث: لا يصلى على الغائب إلا على من لم يصلَّ عليه. حتى وإن كان كبيراً في علمه، أو ماله، أو جاهه، أو غير ذلك، فإنه لا يصلى عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.

    واستدل لذلك: بأن الصلاة على الجنازة عبادة، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة، ولم يحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه صلى على غائب إلا على النجاشي؛ لأنه مات بين أمة مشركة، ليسوا من أهل الصلاة، وإن كان أحد منهم آمن، فلا يعرف عن كيفية الصلاة شيئاً. فأخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة وقال: «إنه مات عبد لله صالح»، وفي بعض الروايات: «إن أخاً لكم قد مات ثم أمرهم أن يخرجوا إلى المصلى»، فالاستدلال بصلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم على النجاشي لا يصح؛ لأنه لا يصح الاستدلال بالأخص على الأعم، لكن يستدل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يشمل جميع أفراده، فقضية النجاشي قضية خاصة، وليست لفظاً عاماً. انتهى 

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1- معالم السنن (1/310- الحلبية).

    2- زاد المعاد (1/501- الرسالة).

    3- زاد المعاد (1/500- الرسالة).

    4- الشرح الممتع (5/346- ابن الجوزي).

    5- أحكام الجنائز (1/91- المكتب الإسلامي).

    6- فتاوى ابن باز (13/159).

    7- فتاوى اللجنة الدائمة (8/418).
    8- قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى (5/360): وقال القاضي وغيره: .... ولا يصلى كل يوم على غائب؛ لأنه لم ينقل. يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي. وما يفعله بعض الناس من أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين في ذلك اليوم لا ريب أنه بدعة.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم