• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: مواقيت الحج
  • رقم الفتوى: 2613
  • تاريخ الإضافة: 17 ذو القعدة 1440
  • السؤال
    أرجو من فضيلتكم ذكر مواقيت الحج التي يحرم منها من أراد دخول مكة لأداء الحج والعمرة ؟
  • الاجابة

    المواقيت المكانية للحج، هي الأماكن التي يُحرم منها من يريد الحجّ أو العمرة، فالحاجّ عندما يخرج من بلده لا يبدأ الحجّ من سكنه ولا يُحرم من سكنه، بل يخرج إلى أن يصل مكاناً عينه الشارع فيُحرم منه، هذه الأماكن هي التي تسمى المواقيت المكانية.

     ولا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أن يتجاوزها – أي يمرَّ عنها - دون أن يُحرم.

     وقد بينها النبي في الأحاديث الصحيحة في « الصحيحين » وغيرهما، فقال ابن عباس: « وقَّت لنا رسول ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجُحْفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، قال: « فهنَّ لهُنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمن أهله، وكذا كذلك حتى أهل مكة يهلون منها » أخرجه البخاري (1524)، ومسلم (1181).

    وعند مسلم(1183) من حديث أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يسأل عن المهل فقال: سمعت - أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: «مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم».

    وفي صحيح البخاري(1531): عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «لما فتح هذان المصران أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق». 

    فيخرج المرء مسافراً للحج من بلده بلباسه المعتاد، ومن غير أن يبدأ بالحجّ أو العمرة، إلى أن يصل إلى الأماكن المذكورة في الحديث، فيعد نفسه ليبدأ بالحج ويُحرم من تلك الأماكن.

    فإذا كان هذا الذي يريد الحجّ من أهل مدينة رسول الله ﷺ، فإحرامه يكون من ذي الحليفة، وتسمى اليوم (آبار علي)، وتبعد عن مكة أربعمائة وثلاثين كيلو (430 كيلو)، وهي أبعد ميقات عن مكة، فإذا وصل المدني الذي هو من أهل المدينة إلى ذي الحليفة يُحرم من هناك، يتجرد من ملابسه ويلبس ملابس الإحرام ويُعد نفسه للإحرام، فيعقد نية الدخول في النسك ويقول: لبيك بحجة أو لبيك بعمرة أو لبيك بحجة وعمرة.

    وإذا كان من أهل الشام – فلسطين، وسورية، والأردن، ولبنان- وما حولها؛ فإحرامه من الجُحفة، وهي قرية بجانب رابغ، مدينة مشهورة معروفة تبعد عن مكة مائة وستة وثمانين كيلو (186 كيلو).

    وإذا كان من أهل نجد - وهي المنطقة التي تشمل الرياض وبريدة وحائل وما حولها-، فيُحرم من قرن المنازل - ويُقال لها أيضاً قرن الثعالب - ويُعرف اليوم بالسيل الكبير، ويبعد عن مكة خمسة وسبعين كيلو (75 كيلو).

    وإذا كان من أهل اليمن فيُحرم من يلملم، ويُقال لها ألملم، ويُقول لها أهلها اليوم لملم، وهو واد معروف هناك، فيه قرية تسمى السعدية تبعد عن مكة اثنين وتسعين كيلو (92 كيلو)، وكان الطريق الرئيسي يمر بها ثم صار يمر بعيداً عنها، إلا أنّه يمر بنفس الوادي يلملم أيضاً وفي النقطة التي يمر الطريق الرئيس بوادي يلملم يكون بُعد الوادي عن مكة مائة وعشرين كيلو (120 كيلو)، وهو واد كبير جداً، فالإحرام جائز من الطريق القديم الذي يمر بقرية السعدية وكذلك من الطريق الجديد؛ لأن كليهما يمر بالوادي، وادي يلملم.

     وأمّا ذات عِرْق، والتي تسمى اليوم: الضريبة – هذا الميقات لم يُذكر في حديث ابن عباس الذي تقدم -، فهو ميقات أهل العراق، وقد اختلف العلماء هل تحديد هذا الميقات من النبي أم من عمر بن الخطاب؟ والنزاع بين أهل العلم في ذلك كبير، والصحيح أنه من عمر رضي الله عنهما، كما هو صريح في حديث ابن عمر المتقدم، وأما حديث جابر فشك الراوي في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال فهم مُجمعون على أنّه ميقات شرعي من مواقيت الحج، وأما الرافضة فيُحرِمون من العقيق لا من ذات عرق، مخالفةً لعمر رضي الله عنه ، والله أعلم . 

    قال النووي في شرح صحيح مسلم (8/ 81): "فوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحُليفة، وهي أبعد المواقيت من مكة، بينهما نحو عشر مراحل أو تسع، وهي قريبة من المدينة على نحو ستة أميال منها، ولأهل الشام الجحفة وهي ميقات لهم ولأهل مصر، قيل سميت بذلك لأن السيل أجحفها في وقت، ويقال لها: مهيعة، وهي على نحو ثلاث مراحل من مكة على طريق المدينة، ولأهل اليمن يلملم، ويقال أيضاً: ألملم بهمزة بدل الياء، لغتان مشهورتان، وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، ولأهل نجد قرن المنازل، وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة، قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وأما ذات عرق؛ فهي ميقات أهل العراق، واختلف العلماء هل صارت ميقاتهم بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم أم باجتهاد عمر بن الخطاب، وفي المسألة وجهان لأصحاب الشافعي: أصحهما وهو نص الشافعي رضي الله عنه في الأم بتوقيت عمر رضي الله عنه وذلك صريح في صحيح البخاري..."

    وقال: " وأجمع العلماء على أن هذه المواقيت مشروعة، ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور: هي واجبة، لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه. وقال عطاء والنخعي: لا شيء عليه. وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجه.

    وفائدة المواقيت أن من أراد حجاً أو عمرة حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام، ولزمه الدم، كما ذكرنا.

    قال أصحابنا: فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، وفي المراد بهذا النسك خلاف منتشر.

     وأما من لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يلزمه الإحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا، سواء دخل لحاجة تتكرر كحطاب وحشاش وصياد ونحوهم، أولا تتكرر كتجارة وزيارة ونحوهما، وللشافعي قول ضعيف أنه يجب الإحرام بحج أو عمرة إن دخل مكة أو غيرها من الحرم لما يتكرر بشرط سبق بيانه في أول كتاب الحج.

    وأما من مر بالميقات غير مريد دخول الحرم بل لحاجة دونه ثم بدا له أن يحرم فيحرم من موضعه الذي بدا له فيه، فإن جاوزه بلا إحرام ثم أحرم؛ أثم ولزمه الدم، وإن أحرم من الموضع الذي بدا له؛ أجزأه ولا دم عليه، ولا يكلف الرجوع إلى الميقات. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أحمد وإسحاق يلزمه الرجوع إلى الميقات". والله أعلم . انتهى باختصار

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم