• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم الزواج والخطبة للمحرم
  • رقم الفتوى: 2735
  • تاريخ الإضافة: 3 ذو الحجة 1440
  • السؤال
    ما هو الراجح عندكم في حكم من تزوج وهو محرم ، وما الجواب عن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تزوج ميمونة – رضي الله عنها - وهو محرم ؟
  • الاجابة

    يحرم على المحرم أن يتزوج أو يخطب سواء له أو لغيره كأن يكون ولياً أو وكيلاً في عقد النكاح؛ لما جاء في «صحيح مسلم» من حديث عثمان قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يَنكِح المُحرِم ولا يُنكَح ولا يَخطُب»([1]).

    فهذا يقتضي منع عقد النكاح للمُحرم، ومنع المُحرم من عقده لغيره، فلا يَعقد النكاح لنفسه، ولا يَعقد نكاحاً لغيره، وهو مُحرم.

    ويقتضي أيضاً منع طلب المرأة للزواج في حال الإحرام، أي لا يجوز للرجل أن يَطلُب المرأة للزواج وهو مُحرِم، وهذه حقيقة الخِطبة التي نُهي عنها في حال الإحرام، وهي طلب الرجل المرأة للزواج وهو مُحرم.

     أما حديث ابن عباس «أنَّ النبي تزوج ميمونة وهو مُحرِم»([2]) ، ففيه إشكال؛ لأنه يتعارض مع ما هو أرجح منه، ففي « الصحيح » أيضاً عن ميمونة: « أنَّ النبي تزوجها وهو حلال»([3] وكذا أَخبر أبو رافع - وكان هو السفير بين رسول ﷺ وميمونة – أخبر: « أنَّ النبي تزوج ميمونة وهو حلال »([4])، فعندنا الآن حديث يدل على عدم مشروعية النكاح في الإحرام، وهو قوله ﷺ: «لا يَنكِح المُحرِم ولا يُنكَح ولا يَخطُب» أخرجه مسلم، وعندنا حديث يدلّ على الجواز وهو حديث ابن عباس، لكنّ حديث ابن عباس مُعارَضٌ بحديث ميمونة وهو أولى بالأخذ به، فنُقدم الأولى على حديث ابن عباس.

    لكن ما الذي جعلنا نحكم على الثاني بأنه أولى من حديث ابن عباس:
    أولاً: أنّ الذي خالف ابن عباس هي صاحبة القصة - وهي ميمونة -، وهي أدرى بما حصل معها من ابن عباس.
    ثانياً: معارضة أبي رافع - وهو السفير بين النبي وبين ميمونة-، فهو أدرى أيضاً من ابن عباس.
    والأمر الثالث، وجود النهي وهو حديث عثمان، فحمل الحالة على الوضع الذي يُوافق النهي في حديث عثمان أولى من حملها على الحالة الثانية التي ذكرها ابن عباس.

    فطريقة الترجيح هذه هي المعتمدة في التعامل مع هذه الأحاديث.
    أما الجمع بين حديث ابن عباس وحديث ميمونة وحديث أبي رافع، فصعب لا مجال فيه، فماذا نفعل؟ من المعلوم أن التعامل مع الأحاديث المتعارضة كما هو مقرر عند أهل العلم يكون كالتالي:
    العمل الأول: الجمع، والجمع بين هذين الحديثين – حديث ابن عباس وحديث ميمونة - لا سبيل إليه من غير تكلف؛ فابن عباس يقول: تزوجها وهو محرم، وميمونة وأبو رافع يقولان: تزوجها وهو حلال، فلا سبيل للجمع، والنبي ﷺ حجَّ مرة واحدة وتزوج ميمونة مرة واحدة.

    فننتقل إلى الحالة الثانية حالة النسخ: ليس عندنا الآن متقدم ومتأخر، إنما هي حادثة واحدة.

    يبقى عندنا الحالة الثالثة وهي الترجيح، فكيف نرجح؟

    نُرجح بالطريقة التي ذكرنا، أنّ صاحبة القصة أولى بالحفظ والمعرفة من الآخر، وكذلك السفير الذي كان بين صاحبة القصة وبين النبي أولَى أيضاً بالمعرفة من ابن عباس.
    ثم هذان الحديثان: حديث ميمونة وحديث أبي رافع يتوافقان مع حديث النهي، أما حديث ابن عباس فيتعارض مع حديث النهي، فيُقدم حديث ميمونة وأبي رافع على حديث ابن عباس.
    خلاصة الموضوع، أنّه لا يجوز للشخص أن يَنكِح - يعقد النكاح لنفسه وهو مُحرِم -، وكذلك لا يجوز له أن يعقد لغيره نكاحاً وهو مُحرِم، كأن يكون ولياً مثلاً للمرأة، وكذلك لا يجوز له أن يَخطُب وهو مُحرِم.

    فيبقى هذا الحديث، وهو حديث عثمان على ما دلَّ عليه من النهي، وحديث ابن عباس لا يعارضه؛ لأنه ليس بصواب والله أعلم.

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 306): مسألة: قال: (ولا يتزوج المحرم، ولا يزوج، فإن فعل، فالنكاح باطل) قوله: (لا يتزوج) أي لا يقبل النكاح لنفسه، (ولا يزوج) أي لا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه. ولا يجوز تزويج المحرمة أيضا.
    روي ذلك عن عمر، وابنه وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - وبه قال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي. وأجاز ذلك كله ابن عباس. وهو قول أبي حنيفة؛ لما روى ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «تزوج ميمونة وهو محرم» متفق عليه. ولأنه عقد يملك به الاستمتاع، فلا يحرمه الإحرام، كشراء الإماء.
    ولنا، ما روى أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب» رواه مسلم. ولأن الإحرام يحرم الطيب، فيحرم النكاح، كالعدة. فأما حديث ابن عباس، فقد روى يزيد بن الأصم، «عن ميمونة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف، في الظلة التي بنى بها فيها» . رواه أبو داود، والأثرم.
    وعن أبي رافع، قال: «تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما» . قال الترمذي: هذا حديث حسن. وميمونة أعلم بنفسها، وأبو رافع صاحب القصة، وهو السفير فيها، فهما أعلم بذلك من ابن عباس، وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرا، فكيف وقد كان صغيرا لا يعرف حقائق الأمور، ولا يقف عليها، وقد أنكر عليه هذا القول.
    وقال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وما تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حلالا. فكيف يعمل بحديث هذا حاله؟ ويمكن حمل قوله: (وهو محرم) . أي في الشهر الحرام، أو في البلد الحرام، كما قيل: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما وقيل: تزوجها حلالا، وأظهر أمر تزويجها وهو محرم. ثم لو صح الحديثان، كان تقديم حديثنا أولى؛ لأنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك فعله، والقول آكد؛ لأنه يحتمل أن يكون مختصا بما فعله. وعقد النكاح يخالف شراء الأمة، فإنه يحرم بالعدة والردة واختلاف الدين، وكون المنكوحة أختا له من الرضاع، ويعتبر له شروط غير معتبرة في الشراء. انتهى 


    ([1]) أخرجه مسلم (1409).

    ([2]) أخرجه البخاري (1837)، ومسلم (1410).

    ([3]) أخرجه مسلم (1411).

    ([4]) أخرجه أحمد (27197)، والترمذي (841).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم