• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: حكم المبيت في مزدلفة
  • رقم الفتوى: 2778
  • تاريخ الإضافة: 11 مٌحَرم 1441
  • السؤال
    ما حكم المبيت في مزدلفة ليلة النحر ؟
  • الاجابة

    قال ابن قدامة في المغني (3/ 376): وللمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمع، والمشعر الحرام.

    وحدُّها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب، ففي أي موضع وقف منها أجزأه؛ لقول النبي: - صلى الله عليه وسلم - «المزدلفة موقف». رواه أبو داود، وابن ماجه.
    وعن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وقفت هاهنا بجمع، وجمع كلها موقف». وليس وادي محسر من مزدلفة؛ لقوله: «وارفعوا عن بطن محسر». انتهى

     بعد أن يَخرجَ الحاجّ من عرفة - وذلك بعد غروب الشمس - انظر الفتوى رقم (2779)، يأتي مزدلفة فيصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ولا يَتَنَفَّل كما صحَّ عن النبي ﷺ أنه جمع ولم يتنفل، ويبيت فيها.

    اختلف أهل العلم في المبيت بمزدلفة، فالبعض قال: هو واجب ويجب بتركه دم، وهو الراجح، والبعض قال: هو ركن لا يصح الحجّ إلّا به، والبعض قال سنة.

    أما وقت المبيت؛ فقال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 45): واتفقوا أن من غروب الشفق من ليلة النحر إلى قبل طلوع الشمس من يوم النحر وقت للوقوف بمزدلفة. انتهى 

     ويتحقق المبيت بمزدلفة بالحضور في مزدلفة في ساعة -أي وقت قليل- من النصف الثاني من الليل في قول بعض أهل العلم، والبعض قال بالبقاء فيها أكثر الليل، فلو انصرف قبل نصف الليل لم يسقط عنه الدم، ولو عاد إليها قبل الفجر سقط عنه الدم ، ووجوب الدم بناءً على القول بالوجوب، وهو الصحيح إن شاء الله.

    ودليل وجوب المبيت بمزدلفة قوله تعالى: { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام }، وقال النبي ﷺ: « من شهد صلاتنا هذه - أي صلاة الفجر - ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجّه وقضى تفثه »([1]) أخرجه أبو داود وغيره ، فمن لم يفعل ذلك لم يتم حجّه، هذا ما يفهم من النص، والمراد بالتمام هنا عند جمهور العلماء، الإتيان بالكمال الواجب.

    واستدلوا بحديث أبي داود: « من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج »([2]).

    فهذا يعني أن من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجّه، ويسقط عنه المبيت بمزدلفة.

    فيدلّ ذلك على أن المبيت بمزدلفة ليس ركناً، فيبقى عندنا الوجوب، لورود الأمر به في الآية.

    قال النووي في المجموع (8/ 134):  فإن قلنا المبيت واجب فالدم لتركه واجب، وإلا فسنة، وعلى القولين ليس بركن، فلو تركه صح حجه. هذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به جمهور الأصحاب وجماهير العلماء. انتهى

    وقال (8/ 136): وهذا الذي ذكرناه من وجوب الدم بترك المبيت من أصله إذا قلنا المبيت واجب؛ هو فيمن تركه بلا عذر، أما من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة؛ فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب، وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين. انتهى 

    وقال ابن قدامة في المغني (3/ 376): والمبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم. هذا قول عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. وقال علقمة، والنخعي، والشعبي: من فاته جمع فاته الحج؛ لقول الله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} [البقرة: 198] . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه» .
    ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل ليلة جمع فقد تم حجه». يعني من جاء عرفة. وما احتجوا به من الآية والخبر، فالمنطوق به فيهما ليس بركن في الحج إجماعاً، فإنه لو بات بجمع، ولم يذكر الله تعالى، ولم يشهد الصلاة فيها، صح حجه، فما هو من ضرورة ذلك أولى، ولأن المبيت ليس من ضرورة ذكر الله تعالى بها، وكذلك شهود صلاة الفجر، فإنه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر، أمكنه ذلك، فيتعين حمل ذلك على مجرد الإيجاب، أو الفضيلة أو الاستحباب.

    فصل: ومن بات بمزدلفة، لم يجز له الدفع قبل نصف الليل، فإن دفع بعده، فلا شيء عليه. وبهذا قال الشافعي. وقال مالك: إن مر بها ولم ينزل، فعليه دم، فإن نزل، فلا دم عليه متى ما شاء دفع.
    ولنا، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها، وقال: خذوا عني مناسككم» . وإنما أبيح الدفع بعد نصف الليل بما ورد من الرخصة فيه، فروى ابن عباس، قال: كنت فيمن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى. وعن أسماء، أنها نزلت ليلة جمع عند دار المزدلفة، فقامت تصلي، فصلت، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، قلت لها: أي هنتاه، ما أرانا إلا غلسنا. قالت: كلا يا بني، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن. متفق عليهما.
    وعن عائشة قالت: «أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت» . رواه أبو داود.

    فمن دفع من جمع قبل نصف الليل، ولم يعد في الليل، فعليه دم، وإن عاد فيه، فلا دم عليه، كالذي دفع من عرفة نهاراً.

    ومن لم يوافق مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل، فلا شيء عليه؛ لأنه لم يدرك جزءاً من النصف الأول، فلم يتعلق به حكمه، كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار. والمستحب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المبيت إلى أن يصبح، ثم يقف حتى يسفر. ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء، وممن كان يقدم ضعفة أهله عبد الرحمن بن عوف، وعائشة.
    وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. ولا نعلم فيه مخالفاً، ولأن فيه رفقاً بهم، ودفعاً لمشقة الزحام عنهم، واقتداء بفعل نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. انتهى 

    وقال النووي في المجموع (8/ 135): ثم الصحيح المنصوص في الأم أن هذا المبيت يحصل بالحضور في مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل، وبهذا قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين.

    وفي قول ضعيف يحصل أيضاً بساعة في النصف الثاني أو ساعة قبل طلوع الشمس، حكاه أبو علي البندنيجي عن نصه في القديم والإملاء.
    وحكى إمام الحرمين عن نقل شيخه أبي محمد وصاحب التقريب في قدر الواجب من المبيت قولين: أظهرهما: معظم الليل.
    والثاني: الحضور حال طلوع الفجر. وهذا النقل غريب وضعيف.
    وقطع صاحب الحاوي بأنه لو دفع من عرفات ولم يحصل بمزدلفة إلا بعد نصف الليل لزمه دم، قال: لأنه لم يحضر فيها إلا أقل الليل، وهذا الحكم والدليل ضعيفان، والمذهب ما سبق.
    واتفق أصحابنا ونصوص الشافعي على أنه لو دفع من مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه وحصل المبيت ولا دم عليه بلا خلاف، وهذا مما يَرُدّ نقل إمام الحرمين، فإنهم لا يصلون بمزدلفة غالباً إلا قريب ربع الليل أو نحوه، فإذا دفع عقب نصف الليل لم يكن قد حضر معظم الليل بمزدلفة، وقد اتفقوا على أنه يجزئه.
    قال أصحابنا: وسواء كان الدفع بعد نصف الليل لعذر أم لغيره فإنه يجزئه المبيت، واتفقوا على أنه لو دفع قبل نصف الليل بيسير ولم يعد إلى المزدلفة فقد ترك المبيت، فلو دفع قبل نصف الليل وعاد إليها قبل طلوع الفجر أجزأه المبيت ولا شيء عليه بلا خلاف. والله أعلم. انتهى

    وقال في شرح صحيح مسلم (9/ 39): واختلفوا في قدر المبيت الواجب، فالصحيح عند الشافعي أنه ساعة في النصف الثاني من الليل، وفي قول له ساعة من النصف الثاني أو ما بعده إلى طلوع الشمس، وفي قول ثالث له أنه معظم الليل، وعن مالك ثلاث روايات: إحداها: كل الليل، والثاني: معظمه، والثالث: أقل زمان. انتهى والله أعلم 


    ([1]) حديث عروة بن مضرس ، أخرجه أبو داود (1950)، والترمذي (891)  .

    ([2]) هو تتمة حديث « الحج عرفة »، أخرجه الترمذي (889)، والنسائي (3016) .

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم