• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: من قتله الخوارج في المعركة من أهل السنة هل يغسل ويصلى عليه
  • رقم الفتوى: 3363
  • تاريخ الإضافة: 22 ربيع الأول 1441
  • السؤال
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل صحيح أن الذي يموت وهو يقاتل الخوارج لا يغسل ولا يكفن، يأخذ حكم الشهيد الذي يقاتل الكفار؟ أود منكم التفصيل في هذه المسألة.
  • الاجابة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد

    فاختلف أهل العلم من السلف والخلف في هذه المسألة على قولين:

    البعض قال: يعامل معاملة شهيد المعركة ضد الكفار، وقاسوه عليه، قالوا هو مثله. وهو قول أبي حنيفة، وقول للشافعي، ورواية عن أحمد. 

    وقال الآخرون: بل يعامل معاملة سائر المسلمين يغسل ويكفن ويصلى عليه، وقالوا: هذا هو الأصل في كل مسلم ولم يخرج عنه سوى شهيد المعركة ضد الكفار بالنص والإجماع. وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي ورواية عن أحمد، واختاره ابن المنذر. 

    وهو القول الصحيح الراجح عندي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة على من قال: لا إله إلا الله، واستثنى الذي يقتله الكفار في المعركة، ففيما عداه يبقى على الأصل؛ ولأن شهيد معركة الكفار أجره أعظم، وفضله أكثر، وقد جاء أنه يشفع في سبعين من أهل بيته، وهذا لا يلحق به في فضله، فلا يثبت فيه مثل حكمه، فإن الشيء إنما يقاس على مثله(1).

    فهو وإن كان في ظاهر الأمر شهيد، إلا أنه ليس كل شهيد يدفن دون غسل ولا صلاة، فقد صح: أن المبطون شهيد، والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وكل هؤلاء لا خلاف في أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم(2). والله أعلم

    قال الإمام الشافعي في الأم (1/ 306): وكل هؤلاء يغسل، ويصلى عليه؛ لأن الغسل والصلاة سنة في بني آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهم الذين قتلهم المشركون الجماعة خاصة في المعركة. انتهى

    وقال ابن المنذر في الإشراف (8/ 228): واختلفوا في الصلاة على من قتل من الفريقين في المعركة.
    فكان الشافعي يقول: "أهل البغي إذا قتلوا في المعركة، فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، ويصنع بهم ما يصنع بالموتى.
    وإذا قتل أهلُ البغي أهلَ العدل في المعركة، ففيها قولان:
    أحدهما: أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم، ولا يصلى عليهم.
    والقول الثاني: أن يصلى عليهم. وفي قول الأوزاعي: يصلى على قتلى الطائفتين جميعاً.
    وفيه قول ثان، وهو قول أصحاب الرأي: إن قتل أهل الجماعة بعض الخوارج وللخوارج فئة، لم يصل على قتلى الخوارج، فإذا انقطعت الحربُ ولم يكن للخوارج فئة، فلا بأس أن يغسل أهل الجماعة من قتل من ذوي قرابته من الخوارج ويكفنه ويصلى عليه، ويدفنه.
    ومن قتل من أهل الجماعة فهو بمنزلة الشهيد، لا يغسل، ويدفن في ثيابه، ويصلى عليه ويدفن.
    قال أبو بكر -ابن المنذر-: يصلى على الفريقين؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - عمّ بالأمر بالصلاة الناس كلهم، واستثنى بسنته الشهداء الذين قتلهم المشركون.
    قال مالك في القدرية، والإباضية: لا يصلى على موتاهم ولا تتبع جنائزهم ولا يعاد مريضهم.
    وقال مالك في الإباضية، والحرورية، وأهل الأهواء كلهم: "أرى أن يستتابوا فإن تابوا، وإلا قتلوا". انتهى 

    وقال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 120): "وأجمع العلماء على أن الشهيد في معترك الكفار إذا حمل حياً ولم يمت في المعترك، وعاش وأكل وشرب؛ فإنه يغسل ويصلى عليه؛ كما فُعِل بعمر وبعلي رضوان الله عليهما.
    واختلفوا في غُسل من قُتل مظلوماً؛ كقتيل الخوارج، وقطاع السبيل، وما أشبه ذلك ممن قتل مظلوماً.
    فقال مالك: لا يغسل من قتله الكفار إلا أن يموت في المعترك، فإن حمل من موضع مصرعه، فعاش وأكل وشرب ثم مات؛ غسل وصلي عليه.
    وأما من قتل في فتنة أو نائرة أو قتله اللصوص أو البغاة أو كان من اللصوص أو البغاة فقتل، أو قُتل قَوَداً، أو قتل نفسه؛ فإن هؤلاء كلهم يغسلون ويصلى عليهم. وبه قال الشافعي.

    وقال أبو حنيفة والشافعي: كل من قتل مظلوماً لم يغسل، وإلا أنه يصلى عليه، وعلى كل شهيد. وهو قول سائر أهل العراق".  

    وذكر بعض الآثار عن الصحابة والتابعين، ثم قال: "من حجة من ذهب إلى هذا - وهو معنى قول مالك - أن السنة المجتمع عليها في موتى المسلمين أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم؛ فكذلك حكم كل ميت وقتيل من المسلمين، إلا أن يجتمعوا على شيء من ذلك، فيكون خصوصاً من الإجماع بإجماع.
    وقد أجمعوا - إلا من شذ عنهم - بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها، ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة. وبالله التوفيق.

    ومن حجة من جعل قتيل البغاة والخوارج واللصوص وكل من قتل ظلماً إذا مات مِن وقته، كقتيل الكفار في الحرب إذا مات في المعترك؛ القياس على قتيل الكفار، قالوا: وأما عمر وعلي فإنهما غُسِّلا وصُلي عليهما؛ لأنهما عاشا وأكلا وشربا بعد أن أصيبا. وبالله التوفيق". انتهى 

    وانظر المغني لابن قدامة (8/ 531- مكتبة القاهرة)، والمجموع للنووي (5/ 267- دار الفكر).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) انظر المغني لابن قدامة (8/ 531).

    (2) انظر المحلى لابن حزم (11/ 348).

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم