• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: كيفية صلاة الجنازة
  • رقم الفتوى: 3988
  • تاريخ الإضافة: 7 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    أرجو من فضيلتكم بيان صفة صلاة الجنازة الصحيحة ؟
  • الاجابة

    كيفية صلاة الجنازة:

    إذا كان الميت رجلاً قام الإمام عند رأسه، وإذا كانت امرأة يقوم عند وسطها؛ لحديث أنس أنه صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه، فلمّا رُفعت أُتي بجِنازة امرأة فقام عند وسطها، فسألوه عن فعله، قالوا له: أهكذا كان رسول الله ﷺ يقوم من الرجل حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم([1]) ، وفي حديث سمرة بن جندب، أن امرأة ماتت في بطن، فصلى عليها النبي ﷺ فقام وسطها([2]).

    ثم يكبر للصلاة، والصحيح الثابت عن النبي ﷺ أن تكبيرات الجنازة أربع تكبيرات أو خمس تكبيرات فقط([3]).

    أما الأربع فأحاديثها في «الصحيحين»([4]) ، وأما الخمس فورد فيها حديث عن زيد بن أرقم في «صحيح مسلم» أنه كان يُكبر على الجنائز أربعاً، قال: ثم إنه كبر على جنازة خمساً، فسُئل عن ذلك فقال: كان رسول الله ﷺ يُكبرها([5]) ، فعمل زيد بن أرقم بالتكبيرات الخمس، يدل على أن هذا الحكم غير منسوخ وإنما هو سنة ثابتة؛ لأن زيد بن أرقم علم الأربع وعلم الخمس، فدلّ ذلك على أنه من اختلاف التنوع الذي يفعل تارةً على صورةٍ، وتارةً على صورةٍ ثانيةٍ.

    أما الست والسبع فلم يرد فيها حديث مرفوع، بل وردت بعض الموقوفات عن بعض الصحابة، منها ما هو صحيح، ومنها ما ليس بصحيح، والحجة فيما فعله ﷺ لا فيما فعله غيره.

    وأما الثمان فلا أعرف شيئاً يثبت فيها.

    وأما التسع فورد فيها حديث: أن النبي ﷺ صلى على حمزة بتسع تكبيرات([6]) ، لكن أحاديث الصلاة على حمزة قد استنكرها غير واحد من العلماء، ذكروا أنها منكرة مخالفة لما هو أصح منها، فلا يصح في التكبيرات إلا الأربع والخمس فقط.

    يقرأُ بعد التكبيرةِ الأولى سورة الفاتحة ولا يجهر بها لما ورد من حديث ابن عباس أنه صلى على جِنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال بعدما قرأها: ليعلموا أنها سنة([7])، أي سنة عن النبي ﷺ، فيكبر المصلي التكبيرة الأولى ويقرأ بعدها فاتحة الكتاب، ولا يجهر بها، فالجهر بها جاء ذكره في رواية غير محفوظة.

    ولا يقرأ بغيرها، لضعف الحديث الوارد في ذلك، جاءت رواية خارج «صحيح البخاري» من حديث ابن عباس السابق قال فيها: « إنه قرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة وجهر »، قال البيهقي - رحمه الله -: ذكر السورة غير محفوظ - أي هي زيادة شاذة - والصواب خلافها، والمحفوظ هو الذي في «الصحيح»: أن ابن عباس قرأ بفاتحة الكتاب وقال: ليعلموا أنها سنة .

    ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم - بعد التكبيرة الثانية؛ لحديث أبي أمامة: «أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يُكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي ﷺ، ويُخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه»([8]) ، فقول أبي أمامة هنا «ثم يصلي على النبي ﷺ»، أُخذ منه أن الصلاة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية مسنونة.

    ثم بعد التكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة - إن كبّرها- الدعاء، و أفضل الدعاء، الدعاء بما ورد عن النبي ﷺ، والحديث الوارد في ذلك حديث عوف بن مالك، وهو قوله ﷺ: «اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار»([9]).

    وأما الأدعية الواردة في أحاديث أخرى، فقال الإمام البخاري - رحمه الله -: «حديث أبي هريرة وأبي قتادة وعائشة غير محفوظ، وأصح شيء في الباب حديث عوف بن مالك »([10]) ، أي أنها أحاديث ليست بصحيحة، وحديث عوف بن مالك هو الحديث الذي قدمناه ، وإن دعا بما فتح الله عليه فلا بأس إن شاء الله .

    ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه؛ فهذا الثابت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم من الصحابة([11]) فالظاهر أنهم تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عن ثلاثة من التابعين أنهم خالفوا في هذا، وقالوا بتسليمتين([12])، وتابعهم أصحاب الرأي وبعض الفقهاء. والله أعلم 


    ([1]) أخرجه أحمد (20/380)، وأبو داود (2194)، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) وغيرهم.

    ([2]) أخرجه البخاري (332)، ومسلم (964).

    ([3]) قال الترمذي في جامعه (1022): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. انتهى

    وقال بعد حديث زيد بن أرقم (1023): وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: رأوا التكبير على الجنازة خمساً، وقال أحمد، وإسحاق: إذا كبر الإمام على الجنازة خمساً فإنه يتبع الإمام. انتهى

    وذكر ابن المنذر الخلاف بين السلف من ثلاث تكبيرات إلى سبع تكبيرات، وأكثر أهل العلم على القول بأربع تكبيرات، انظر الأوسط (5/ 471). 

    ([4]) ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري (1333)، ومسلم (951)، انه كبّر على النجاشي أربعاً.

    ([5]) أخرجه مسلم (957).

    ([6]) أخرجه الطحاوي في « معاني الآثار » (2887)، من رواية يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه يعني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
    وأخرجه ابن شاهين في كتابه: من حديث ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، أن الزبير - رضي الله عنه - قال: "صلى النبي rعلى حمزة فكبر سبعًا"، وقال البغوي: حفظي أنه قال: عن عبد الله بن الزبير. كذا في نخب الأفكار لبدر الدين العيني.

    وله شاهد من حديث ابن عباس ضعيف، انظر تحقيق القول في الأحاديث التي أثبتت الصلاة على حمزة في البدر المنير (5/243) لابن الملقن.

    ([7]) أخرجه البخاري (1335).

    ([8]) أخرجه ابن أبي شيبة في « مصنفه » (2/490)، وعبد الرزاق في « مصنفه » (3/489)، والحاكم في « المستدرك »(1331)، وأصله عند النسائي في « سننه » (1989)، وزيادة الصلاة على النبي ﷺ فيه محفوظة.

    ([9]) أخرجه مسلم (963).

    ([10]) انظر « السنن الكبرى » للبيهقي (4/68).

    ([11]) قال أحمد بن القاسم: قيل لأبي عبد اللَّه: أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يُسلم على الجنازة تسليمتين؟
    قال: لا، ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يُسلمون تسليمةً واحدة خفيفة عن يمينه، فذكر ابن عمر، وابن عباس، وأبا هريرة، وواثلة بن الأسقع، وابن أبي أوفى، وزيد بن ثابت.
    "الفروع" (2/ 240 - 241) "زاد المعاد" (1/ 510)

    وقال في الزاد: وزاد البيهقي: علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، فهؤلاء عشرة من الصحابة. وأبو أمامة أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماه باسم جده لأمه أبي أمامة: أسعد بن زرارة، وهو معدود في الصحابة، ومن كبار التابعين. انتهى 

    وذكره ابن المنذر في الأوسط (5/ 490) عن تسعة من الصحابة، وقال:  وبه قال ابن سيرين، والحسن، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، ووكيع، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق واختلف قول الشافعي، فقال في كتاب الجنائز: «إن شاء سلم تسليمة، وإن شاء تسليمتين»، وحكى البويطي عنه، أنه قال: «يسلم تسليمتين».
    وقالت طائفة: يسلم تسليمتين، هكذا قال أصحاب الرأي، وحكي عن الشعبي وأبي إسحاق مثل قولهم، واختلف فيه عن النخعي. قال أبو بكر -ابن المنذر-: تسليمة أحب إلي لحديث أبي أمامة بن سهل؛ ولأنه الذي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم بالسنة من غيرهم؛ ولأنهم الذين حضروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظوا عنه، ولم يختلف من روينا ذلك عنه منهم إن التسليم تسليمة واحدة، وقد أجمع أهل العلم أنه يكون بتسليمة واحدة خارجاً من الصلاة. انتهى

    وقال ابن قدامة في المغني (2/ 366):  قال أحمد: ليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. انتهى
    ([12]) قال ابن الملقن في التوضيح (9/ 618): وفي "المصنف" عن جابر بن زيد، والشعبي، والنخعي أنهم كانوا يسلمون تسليمتين. انتهى، وحكي عن الشعبي وأبي إسحاق، قاله ابن المنذر، وقال: واختلف فيه عن النخعي. انتهى كما تقدم.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم