• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: تعزية الميت المشروعة
  • رقم الفتوى: 4176
  • تاريخ الإضافة: 25 جُمادي الآخرة 1441
  • السؤال
    ما حكم تعزية من مات له ميت؟ وهل ما يفعله الناس اليوم من فتح بيوت للعزاء، والوقوف في المقبرة لتقبل التعازي مشروع؟
  • الاجابة

    تعزية المصاب بوفاة أحد أقاربه أو أصدقائه أو من يحب؛ من السنة ؛ لحديث أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي ﷺ فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها - أو ابناً لها - في الموت فقال للرسول: «ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمُرها فلتصبر ولتحتسب »([1]).

    ومعنى التعزية: التصبير، أي الحث على الصبر بذكر ما يُسَلّي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته ، وتكون بكلمات كالكلمات التي قالها ﷺ لابنته، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يجمع الناس ويصنع الطعام ولم يفعل شيئاً من هذا، فكله لا أصل له في شرع الله، إنما التعزية كما فعل ﷺ، إذ أرسل إليها رسولاً يخبرها بكذا وكذا، ولكنها لم تقبل بالمُرْسَلِ حتى جاءها ﷺ ، ووقف عليه ورأى روحه تفيض فبكى ﷺ وذكر أنها رحمة جعلها الله في قلوب عباده. 

    وله أن يعزيه بأي كلمات تخفف عنه، ولا يكون فيها محذور شرعي.

    ويعزيه في أي مكان وفي أي وقت يرى أنه مناسب للتعزية والتخفيف عنه.

    والنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا لم يفعل ما يفعل الناس، ولم يتكلف تكلف الناس اليوم، ولم يأذن في الإسراف والتبذير، وفي مجاوزة الحد الذي يقع فيه الناس اليوم ، فهذه الأشياء التي تحصل فيها منكرات عظيمة وكثيرة من إسراف وتبذير ورياء وغير ذلك من الأشياء التي حرمها الله تبارك وتعالى.

    فبيوت العزاء التي يجتمع فيها الناس للأكل لمدة ثلاثة أيام؛ محرمة، فهي من البدع المحرمة؛ فالناس يفعلونها تعبداً، يسمونها بيت أجر، ويفعلون فيها أنواعاً من المحرمات منها: الإسراف والتبذير والرياء وشرب الدخان والغيبة والنميمة.

    وسواء صنع الطعام هم أم غيرهم. 

    وصناعة الطعام الواردة في حديث جعفر ليست للمعزين، بل لأهل بيت الميت فقط الذين يشغلهم الموت عن صنع الطعام، وليس لكل المعزين؛ فقد جاء في الحديث مبيناً العلة، فقال: "فقد جاءهم ما يشغلهم" ، وقال في الحديث: " اصنعوا لآل جعفر" ولم يقل للمعزين، مع أن الحديث ضعيف في سنده مجهول، انظر الفتوى رقم (4177)، ولكن من فعله لمن شغله الموت خاصة عن صنع الطعام فلا مانع، ولكن الناس اليوم اتخذوا هذا حيلة لصنع الطعام للمعزين بدعوى أنه لأهل الميت، فيصنعون هم الطعام مقابل أن يصنع لهم الآخرون متى حصلت عندهم وفاة، ولا يصنعونه فقط لأهل الميت الذين شغلهم الموت، بل لهم وللمعزين جميعاً ولمدة ثلاثة أيام، وهذا تحايل على الحرام، والمحاذير المذكورة هي نفسها حاصلة؛ فهو حرام. 

    وأما وقوف الناس في المقبرة صفاً واحداً لتقبل التعازي للتخفيف على الناس باجتماع من يريدون تعزيته؛ فهذا أجازه بعض أهل العلم، وقال ابن باز: تركه حسن. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى. 

     قال ابن قدامة في المغني (5/ 320): مسألة؛ قال: (ويستحب تعزية أهل الميت) لا نعلم في هذه المسألة خلافاً، إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن؛ لأنه خاتمة أمره. ولنا، عموم قوله - عليه السلام -: «من عزى مصابا، فله مثل أجره» رواه الترمذي. وقال: هو حديث غريب.
    وروى ابن ماجه، في " سننه " عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة.» وقال أبو برزة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عزى ثكلى، كسي بردا في الجنة.» قال الترمذي: هذا ليس إسناده بالقوي.

    والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله.

    فصل: ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم وصغارهم، ويخص خيارهم، والمنظور إليه من بينهم؛ ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة، لحاجته إليها، ولا يعزي الرجل الأجنبي شواب النساء؛ مخافة الفتنة. انتهى 

    وقال الإمام الشافعي في الأم (1/ 317): وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره. انتهى 

    وقال: والتعزية من حين موت الميت، في المنزل، والمسجد، وطريق القبور، وبعد الدفن، ومتى عزى فحسن، فإذا شهد الجنازة أحببت أن تؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت، إلا أن يرى جزعاً من المصاب فيعزيه عند جزعه، ويعزي الصغير والكبير، والمرأة، إلا أن تكون امرأة شابة، ولا أحب مخاطبتها إلا لذي محرم. انتهى

    وقال: وأكره النياحة على الميت بعد موته، وأن تندبه النائحة على الانفراد، لكن يعزى بما أمر الله عز وجل من الصبر، والاسترجاع، وأكره المأتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر. انتهى قلت: هذه كراهة تحريم كما هو ظاهر. والله أعلم، المأتم هنا: اجتماع الناس على حزن الوفاة. 

    قال النووي في المجموع (5/ 320): قال صاحب الشامل وغيره: وأما إصلاح أهل الميت طعاماً، وجمع الناس عليه، فلم ينقل فيه شيء وهو بدعة غير مستحبة، هذا كلام صاحب الشامل ويستدل لهذا بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة " رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه بإسناد صحيح، وليس في رواية ابن ماجه بعد دفنه. انتهى 

    وقال ابن تيمية: وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه؛ فهذا غير مشروع، وإنما هو بدعة؛ بل قد قال جرير بن عبد الله: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة. وإنما المستحب إذا مات الميت أن يصنع لأهله طعام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم" . انتهى مجموع الفتاوى (24/ 317).

    وقال الألباني في حاشية أحكام الجنائز له (ص 167): ) قال النووي في (المجموع) (5/ 306): (وأما الجلوس للتعزية، فنص الشافعي والمصنف وسائر الاصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها)
    ونص الامام الشافعي الذي أشار إليه النووي هو في كتاب (الام) (1/ 248): (وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضي فيه من الاثر).
    كأنه يشير إلى حديث جرير هذا، قال النووي: (واستدل له المصنف وغيره بدليل آخر وهو أنه محدث).
    وكذا نص ابن الهمام في شرح الهداية (1/ 473) على كراهة اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت وقال: (وهي بدعة قبيحة).
    وهو مذهب الحنابلة كما في (الانصاف) (2/ 565). انتهى

    سئل ابن باز رحمه الله: يوجد في التَّعزية عند المقبرة أمرٌ مُستحدثٌ، حيث يصفّ أقاربُ الميت من أولاده وإخوانه على جنبٍ مثل صفِّ الصلاة، ثم يقدم لهم المُعزون ويُسلِّمون عليهم واحدًا واحدًا، ما حكم هذه الصِّفة؟ وهل لها أصلٌ في الشريعة؟ ثم ما الكيفية التي يُعزَّى بها أهلُ الميت عند المقبرة؟

     فقال: ما نعلم في هذا أصلًا، ولكن الأمر فيه سهلٌ، الناس يُعزُّون، سواء عند المقبرة، أو في الطريق قبل الدفن، أو بعد الدفن في المسجد، في الطريق، في البيت، في أي مكانٍ، التَّعزية أمرها واسعٌ.
    أما كونهم يصفُّونهم صفًّا حتى يُعرفوا، حتى يقصدهم المعزُّون؛ فلا نعلم له أصلًا، لكن الأمرَ فيه خفيفٌ؛ لأنَّ المطلوب التَّسهيل على الناس حتى لا يذهبوا ويدوروا عليهم في بيوتهم يُعزُّونهم، فإن وجدوهم عند المقبرة قريبين فيُعزُّونهم ويستريحون من التَّعب الكثير، فالأمر في هذا فيما يظهر لي أنه ليس بالشَّديد، الأمر فيه واسعٌ إن شاء الله.
    س: ما هو بدعة؟
    الشيخ: ما أعلم فيه شيئًا، لكن لو تُرك يكون حسنًا إن شاء الله، وإلا ما أعلم أنه يعني: أصل معروف، وإنما هذا تسهيلٌ للتَّعزية، والتعزية مشروعة، يُسهلون لهم بهذا التَّعزية، والتعزية مشروعة. انتهى ([2]) 

    سئل ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم اصطفاف أهل الميت عند باب المقبرة لتلقي تعازي الناس بعد دفن الميت مباشرة؟
    فأجاب فضيلته بقوله: الأصل أن هذا لا بأس به؛ لأنهم يجتمعون جميعاً من أجل سهولة الحصول على كل واحد منهم ليعزى، ولا أعلم في هذا بأساً. انتهى من مجموع الفتاوى (17/ 352)

    وسئل رحمه الله تعالى: مسألة العزاء والاجتماع عليه، بعض الناس لو كلَّمناهم في هذا يقول: نحن نفعل هذا ولا نقصد به التعبد، وإنما نقصد به العادة، وأن ترك المشاركة في الاجتماع يعتبر قطيعة رحم فكيف الرد عليهم؟
    فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا أن التعزية سنة، التعزية من العبادة، فإذا صيغت العبادة على هذا الوجه الذي لم يكن معروفاً في عهد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صارت بدعة، ولهذا جاء الثواب في فضل من عزى المصاب، والثواب لا يكون إلا على العبادات.
    مسألة العزاء، فالعزاء إنما كان تركه قطيعة رحم، لأن الناس اعتادوه فصار الذي يتخلف عنه عندهم قاطع رحم، لكن لو أن الناس تركوه كما تركه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون رحمهم الله ما صار تركه قطيعة رحم، صار تركه عادة، ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر وبدأوا بأنفسهم هم، كما بدأنا بأنفسنا، والدنا توفي ولم نجلس للعزاء، ووالدتنا توفيت ولم نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات، لاسيما في بعض البلاد إذا مررت ببيت مات فيه ميت تقول: هذا بيت فيه زواج، لأنك ترى فيه من الأنوار في الداخل والخارج والكراسي والأشياء التي تنافي الشرع، وفيها إسراف وفيها بذخ.
    فالواجب على الإنسان أن يعرف الحق من الكتاب والسنة لا من عادات الناس، لو أن الناس تركوا هذه العادات وصار العزاء إن وجدوا في السوق، أو في المسجد عزي، وأيضاً يعزيه إذا كان مصاباً لا إذا كان قريباً، بعض الأقارب لا يهتم بموت قريبه، وربما يفرح إذا مات قريبه، قد يكون بينه وبين قريبه مشادات ومنازعات وخصومات فإذا مات قال: الحمد لله الذي أراحني من هذا.
    فالتعزية للمصاب فقط كما جاء في الحديث: "من عزى مصاباً فله مثل أجره" فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مصاباً" ولم يقل: "من عزى من مات له ميت" فمثل هذه المسائل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس الحق فيها، حتى يسير الناس فيه على الهدى لا على الهوى. انتهى (17/ 375)

    وسئل رحمه الله : " بعد الفراغ من دفن الميت وتعزية أهله يقوم الناس بالذهاب إلى بيت الميت وعادة ما يكون ذلك بعد صلاة المغرب ، ثم يشربون القهوة ويعزون أهل الميت مرة أخرى ، ثم ينصرفون ، فما الحكم في هذا ؟

    فأجاب بقوله: الحكم أن هذا من البدع، فما كان الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا فيما بعده ينتظرون الناس في بيوتهم ليعزوهم، والحقيقة أن هذا يُشعر أن المصاب جزع من المصيبة كأنه يقول: يا أيها الناس إني جالس في بيتي محزوناً فتقدموا لي بالعزاء.
    والسنة أن الإنسان يغلق بيته، ثم من وجده في السوق، أو وجده في المسجد يعزيه إذا رآه مصاباً حزيناً، فيسليه بالتعزية، ويقول: اصبر احتسب، الأمر أمر الله عز وجل، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. انتهى. (17/ 390)

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2024 موقع معهد الدين القيم