• نوع الفتوى: فقه
  • عنوان الفتوى: متابعة الإمام
  • رقم الفتوى: 3537
  • تاريخ الإضافة: 15 ربيع الآخر 1441
  • السؤال
    ما حكم متابعة الإمام إذا فعل ما يبطل الصلاة كزيادة ركعة خامسة مثلاً؟
  • الاجابة

    يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد - وفي رواية عند البخاري: ربنا لك الحمد -، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون». متفق عليه (1)
    وفي حديث أبي هريرة في «الصحيحين»: «إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه» (2).
    وفي «الصحيحين» أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار» وفي رواية: «يحوّل صورته صورة حمار» متفق عليه (3).

    فهذه الأحاديث تدلّ على وجوب متابعة الإمام في الصلاة، فإذا ركع الإمام ركع المؤتمون، لا قبله ولا معه ولا بعده بكثير بل بعده مباشرة على ما تقتضيه «الفاء» التي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كبر فكبروا...».

    فإذا كان فعله مع الإمام لا قبله ولا بعده كره، وصلاته صحيحة.

    ومن لم يتابع الإمام عامداً عالماً بالتحريم وسبقه، بطلت صلاته؛ لأنه فعل فعلاً محرماً في الصلاة.

    ولكن المتابعة تكون في غير ما يبطل الصلاة؛ لأن عمل المبطل يبطل الصلاة فلا يجوز لك متابعة الإمام، فإذا قام الإمام إلى الخامسة مثلاً وأنت تعلم أنها الخامسة - وزيادة ركعة في الصلاة ليست منها تبطل الصلاة - فإنك ها هنا تنبّه الإمام، فإن رجع، وإلا فلا تتابعه، فإما أن تكمل صلاتك وحدك، أو تنتظره إلى أن يسلّم وتسلّم معه. والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.

    قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 147): ففي هذا الحديث بيان أن عمل المأموم بعقب عمل الإمام دون فصل ولا تراخ، وهو الذي يوجبه حكم الفاء في قوله: فكبروا واركعوا. انتهى 

    وقال البغوي في شرح السنة (3/ 414): وهذا قول عامة أهل العلم، أن على المأموم أن يتبع الإمام، فلا يركع إلا بعد ركوعه، ولا يرفع إلا بعد رفعه، روي عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا قال: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا ". انتهى 

    وقال (3/ 418): واختلف العلماء فيمن رفع رأسه قبل الإمام، روي عن ابن عمر، أنه قال: «لا صلاة لمن فعل ذلك».
    وأما عامة أهل العلم على أنه مسيء وصلاته مجزئة، غير أن أكثرهم يأمرونه بأن يعود إلى السجود، ثم بعضهم قالوا: يمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه، بقدر ما كان ترك منه، ثم يتبع الإمام، قاله ابن مسعود، وبه قال الأوزاعي. انتهى

    وقال ابن تيمية: أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة، لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه ولا يرفع قبله ولا يسجد قبله. وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك؛ كقوله في الحديث الصحيح: " لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود؛ فإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت؛ إني قد بدنت"، وقوله " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا؛ فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك". وكقوله صلى الله عليه وسلم " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار".

     وهذا لأن المؤتم متبع للإمام مقتد به، والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته، فإذا تقدم عليه كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعمله، كما جاء في حديث آخر: " مثل الذي يتكلم والخطيب يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً".

    ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله، كما روي عن عمر: أنه رأى رجلاً يسابق الإمام فضربه. وقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت.

    وإذا سبق الإمام سهواً لم تبطل صلاته، لكن يتخلف عنه بقدر ما سبق به الإمام ، كما أمر بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن صلاة المأموم مقدرة بصلاة الإمام، وما فعله قبل الإمام سهواً لا يبطل صلاته؛ لأنه زاد في الصلاة ما هو من جنسها سهواً فكان كما لو زاد ركوعاً أو سجوداً سهواً، وذلك لا يبطل، بالسنة والإجماع؛ ولكن ما يفعله قبل الإمام لا يعتد به على الصحيح؛ لأنه فعله في غير محله؛ لأن ما قبل فعل الإمام ليس وقتاً لفعل المأموم فصار بمنزلة من صلى قبل الوقت أو بمنزلة من كبر قبل تكبير الإمام؛ فإن هذا لا يجزئه عما أوجب الله عليه؛ بل لا بد أن يحرم إذا حل الوقت لا قبله وأن يحرم المأموم إذا أحرم الإمام لا قبله، فكذلك المأموم لا بد أن يكون ركوعه وسجوده إذا ركع الإمام وسجد لا قبل ذلك، فما فعله سابقاً وهو ساه عفي له عنه، ولم يعتد له به، فلهذا أمره الصحابة والأئمة أن يتخلف بمقداره ليكون فعله بقدر فعل الإمام.

    وأما إذا سبق الإمام عمداً ففي بطلان صلاته قولان معروفان في مذهب أحمد وغيره، ومن أبطلها قال: إن هذا زاد في الصلاة عمداً فتبطل كما لو فعل قبله ركوعاً أو سجوداً عمداً؛ فإن الصلاة تبطل بلا ريب، وكما لو زاد في الصلاة ركوعاً أو سجوداً عمداً.

    وقد قال الصحابة للمسابق: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت. ومن لم يصل وحده ولا مؤتماً فلا صلاة له، وعلى هذا فعلى المصلي أن يتوب من المسابقة، ويتوب من نقر الصلاة وترك الطمأنينة فيها، وإن لم ينته فعلى الناس كلهم أن يأمروه بالمعروف الذي أمره الله به، وينهوه عن المنكر الذي نهاه الله عنه. فإن قام بذلك بعضهم وإلا أثموا كلهم. ومن كان قادراً على تعزيره وتأديبه على الوجه المشروع فعل ذلك، ومن لم يمكنه إلا هجره وكان ذلك مؤثراً فيه هجره حتى يتوب. والله أعلم. انتهى من مجموع الفتاوى (23/ 336).

    وقال ابن قدامة في المغني (1/ 377): والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة؛ من الرفع والوضع، بعد فراغ الإمام منه، ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم. واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام. ولنا، ما روى البراء قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع جبهته في الأرض، ثم نتبعه» . متفق عليه. وللبخاري: «لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجداً، ثم نقع سجوداً بعده» .
    وعن أبي موسى، قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، وليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا - إلى قوله - فإذا ركع فاركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فتلك بتلك» . رواه مسلم، وفي لفظ: «فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت» .
    وروى أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون» . متفق عليه.
    وقوله: " فإذا ركع فاركعوا "، يقتضي أن يكون ركوعهم بعد ركوعه؛ لأنه عقبه به بفاء التعقيب، فيكون بعده، كقولك: جاء زيد فعمرو. أي جاء بعده. وإن وافق إمامه في أفعال الصلاة، فركع وسجد معه، أساء، وصحت صلاته.
    فصل: ولا يجوز أن يسبق إمامه؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود؛ ولا بالقيام، ولا بالانصراف» . رواه مسلم. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار» . متفق عليه.
    ولما روينا من الأخبار في الفصل الذي قبله، ولأنه تابع له، فلا ينبغي أن يسبقه، كما في تكبيرة الإحرام. فإن سبق إمامه فعليه أن يرفع ليأتي بذلك مؤتماً بإمامه، وقد روي عن عمر، أنه قال: إذا رفع أحدكم رأسه، والإمام ساجد، فليسجد، وإذا رفع الإمام برأسه فليمكث قدر ما رفع. فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهواً أو جهلاً، فلا شيء عليه؛ لأن هذا سبق يسير.
    وإن سبق إمامه عمداً عالماً بتحريمه، فقال أحمد في رسالته: ليس لمن سبق الإمام صلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار» . ولو كانت له صلاة لرجا له الثواب، ولم يخش عليه العقاب. وعن ابن مسعود، أنه نظر إلى من سبق الإمام، فقال: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت، وعن ابن عمر نحو من ذلك، قال: وأمره بالإعادة؛ لأنه لم يأت بالركن مؤتماً بإمامه. فأشبه ما لو سبقه بتكبيرة الإحرام أو السلام. وقال ابن حامد: في ذلك وجهان. قال القاضي: عندي أنه تصح صلاته؛ لأنه اجتمع معه في الركن، فصحت صلاته، كما لو ركع معه ابتداء. انتهى 

    وقال ابن عثيمين: مسابقة الإمام محرمة لقول النبي صلي الله عليه وسلم "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار". وهذا تهديد لمن سابق الإمام، ولا تهديد إلا على فعل محرم ، أو ترك واجب.

    وثبت عنه أنه قال صلي الله عليه وسلم :" إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع ..." . الحديث.

    وأقول بهذه المناسبة: إن المأموم مع إمامه له أربع حالات:

    1- مسابقة.

    2- موافقة.

    3- متابعة.

    4- تخلف.

    فالمسابقة: أن يبدأ بالشيء قبل إمامه، وهذا حرام، وإذا كان في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته إطلاقاً، ويجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.

    والموافقة: أن يكون موافقاً للإمام يركع مع ركوعه، ويسجد مع سجود، وينهض مع نهوضه، وظاهر الأدلة أنها محرمة أيضاً؛ لقوله صلي الله عليه وسلم :" لا تركعوا حتى يركع" .

    وبعض العلماء يرى أنها مكروهة وليست محرمة إلا في تكبيرة الإحرام فإنه إذا وافق إمامه فيها لم تنعقد صلاته وعليه الإعادة.

    والمتابعة: أن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه بدون تأخر، وهذا هو المشروع.

    والتخلف: أن يتخلف عن إمامه تخلفاً يخرجه عن المتابعة وهذا خلاف المشروع. انتهى من مجموع الفتاوى (15/ 111)

    وقال (15/ 117): 

    وهنا مسألة: أي الحالات أشد: المسابقة، أم الموافقة، أم التخلف عنه؟

    الجواب: المسابقة أشدها؛ لأنه ورد فيه الوعيد المتقدم؛ ولأن القول الراجح؛ أن الإنسان إذا سبق إمامه عالماً ذاكراً، بطلت صلاته، سواء سبقه إلى ركن أو بالركن؛ لأنه إذا سبق إمامه فقد فعل فعلاً محرماً في الصلاة. انتهى

    وقال النووي في المجموع (4/ 247): فأما إذا بطلت صلاة الإمام بحدث ونحوه، أو قام إلى خامسة، أو أتى بمناف غير ذلك؛ فإنه يفارقه، ولا يضر المأموم هذه المفارقة بلا خلاف. انتهى 

    وقال الشوكاني في الدرراي المضيئة (1/ 334): ولا يتابعه في شيء يوجب بطلان صلاته، نحو أن يتكلم الإمام، أو يفعل أفعالاً تخرجه عن صورة المصلي، ولا خلاف في ذلك. انتهى

    وسئل ابن تيمية رحمه الله عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم، وظن أنه لم يسه. فهل يقومون معه أم لا؟ .
    فأجاب:
    إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم؛ لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن. والله أعلم. انتهى 
    _________

    (1) أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411) عن أنس - رضي الله عنه -.
    (2) أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414).
    (3) أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2025 موقع معهد الدين القيم