الأولى أن يصلي بالناس الصالح، الحافظ لكتاب الله، والعالم بأحكام الصلاة، والذي يحبه الناس ويحصل به التآلف والاجتماع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وإذا صلى من هو دونه تصح الصلاة سواء كرهه الناس أم لا، ولكن أهل العلم كرهوا أن يصلي بالناس من يكرهه أكثرهم لحصول الاجتماع والتآلف بين المسلمين. والله أعلم
وأما الحديث المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة، من تقدم قوماً هم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دِباراً، ورجل اعتبد محرره» (1) فهو حديث ضعيف.
وكذا حديث أبي أمامة الذي أخرجه الترمذي: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها، وإمام قوم وهم له كارهون» (2).
والله أعلم هذه خلاصة الفتوى.
وأما أقوال أهل العلم في المسألة
فقال الترمذي (359): قال جرير: قال منصور: فسألنا عن أمر الإمام؟ فقيل لنا: إنما عنى بهذا الأئمة الظلمة، فأما من أقام السنة فإنما الإثم على من كرهه. انتهى
وقال (358): وقد كره قوم من أهل العلم: أن يؤم الرجل قوماً وهم له كارهون، فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه.
وقال أحمد، وإسحاق في هذا: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم. انتهى
وقال الشافعي في الأم(1/ 186): يقال: لا تقبل صلاة من أم قوماً وهم له كارهون، ولا صلاة امرأة وزوجها غائب عنها، ولا عبد آبق حتى يرجع. ولم أحفظ من وجه يثبت أهل العلم بالحديث مثله، وإنما عني به والله تعالى أعلم: الرجل غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه، فأكره ذلك للإمام، ولا بأس به على المأموم، يعني في هذا الحال؛ لأن المأموم لم يحدث شيئاً كره له، وصلاة المأموم في هذه الحال مجزئة، ولا أعلم على الإمام إعادة؛ لأن إساءته في التقدم لا تمنعه من أداء الصلاة، وإن خفت عليه في التقدم. انتهى
وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 170): يشبه أن يكون هذا الوعيد في الرجل ليس من أهل الإمامة، فيتقحم فيها ويتغلب عليها حتى يكره الناس إمامته، فأما إن كان مستحقاً للإمامة فاللوم على من كرهه دونه. وشكي رجل إلى علي بن أبي طالب وكان يصلي بقوم وهم له كارهون، فقال: إنك لخروط. يريد أنك متعسف في فعلك، ولم يزده على ذلك. انتهى
وقال ابن تيمية: إن كانوا يكرهون هذا الإمام لأمر في دينه: مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك. ويحبون الآخر لأنه أصلح في دينه منه. مثل أن يكون أصدق وأعلم وأدين؛ فإنه يجب أن يولى عليهم هذا الإمام الذي يحبونه، وليس لذلك الإمام الذي يكرهونه أن يؤمهم. كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: رجل أم قوماً وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة إلا دباراً، ورجل اعتبد محرراً". والله أعلم. مجموع الفتاوى (23/ 373)
وقال: وإذا كان بين الإمام والمأموم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء أو المذاهب، لم ينبغ أن يؤمهم بالصلاة جماعة؛ لأنها لا تتم إلا بالائتلاف، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم». انتهى من الاختيارات الفقهية آخر الفتاوى الكبرى (5/ 348).
________
(1) أخرجه أبو داود (593)، والترمذي (358)، وابن ماجه (970) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -. في سنده عبد الرحمن الإفريقي وشيخه عمران بن عبد المعافري ضعيفان.
وأخرج ابن ماجه (971) شاهدا له عن ابن عباس - رضي الله عنه -. في سنده يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي قال أبو حاتم الرازي: شيخ لا أرى في حديثه إنكارا، يحدث عن عبيدة بن الأسود أحاديث غرائب. قلت: هذا الحديث منها وشيخه مدلس وقد عنعنه.
(2) أخرجه الترمذي (360) عن أبي أمامة - رضي الله عنه -، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (5959) وضعفه وذكر علته. بعض أهل العلم قوى فقرة الإمام بمجموع الطرق. والله أعلم
جميع الحقوق متاحة بشرط العزو للموقع © 2025 موقع معهد الدين القيم